التراث الأدبي والنقدي في حقيقته يمثل قسم من التراث الإنساني العام ، ساهم في صياغته آلاف المبدعين والمنظرين لإبداعهم ، فالنظريات الأدبية العامة ، والأفكار النقدية المؤسسة عبر أسس علمية واضحة وأفهام مستقرة غير ملتوية ، أو مغرقة في الغموض ، أو المناهضة للخصوصية الثقافية ، تعد أفكارا مقبولة ومتاحة للتداول ، وتحقق مكاسب ثقافية وأدبية هامة ، وهذا أمر بدهي ، فلا شك أن ضرورة رعاية المبدع لخصوصيته الثقافية وأصالته الخاصة ، والتقدير المنصف ينتقد أيضا ذلك الغموض الذي يغلف الأعمال الأدبية لتصبح أشبه بالطلاسم الملغزة ، ويكفي للتدليل عن بعد هذه الطلاسم عن هذا النسق المشار إليه من الوضوح والعمومية ، أن أستاذا كبيرا للنقد وهو د . محمد عبد المطلب كتب يقول لدي تعرضه للمدرسة التفكيكية في النقد الأدبي : " لقد حاولت جهدي أن أقرب المسافة بين القارئ والتفكيكية بمحاولة إستخلاص مبادئها الأساسية ، وقد أكون في هذا ( التقريب ) قد جاوزت حرفية النقل ، وقد أكون نقلت فهمي للتفكيكية أكثر من نقل نصوصها الأصيلة " * فإذا كان هذا الأمر علي مستوي أستاذ من أكبر أساتذة النقد الأدبي ، فما بالنا بالأديب بل القارئ العادي أن يستقر في وعيه أو يصل إلي حقيقة تلك المصطلحات الشاقة ، ولابد لنا أن نقرر حقيقة أن الاختلاف في الفكر أو تضارب وجهات النظر مبررا لوسم الآخرين بالتبعية والانحراف ، وفي ذات الوقت ليس الاستفادة من الأداء الأدبي الإنساني لدي ثقافات أخري ، أو التطلع نحو المنجزات المعرفية علي المستوي النقدي من باب التلقي عن الأسياد في الغرب ، كما يروج البعض ويتخذونه متكأ للهجوم علي الآخرين ، فالأمر أوضح من ذلك بكون المثقف الحق هو من يقوم بتأسيس وتفعيل ملكة الانتقاء لديه ، طالما أن القائم بهذا الإنتقاء قد أستقر في وعيه ثوابته الحضارية والفكرية ، وطالما ترسم طريق الشرع في فلسفة اختياره ( الحكمة ضالة المؤمن ) وهذا الأمر ليس مستهجنا ، بل هو الفهم الصحيح للتعامل مع الأمور فالمسلمين الأوائل رواد الحضارة العربية والإسلامية ، عندما فتحوا أفاق الأرض استفادوا بتراث الأمم السابقة وأضافوا إليها ، ثم ابتكروا وجددوا وهكذا ، شرطا أن يتم الانتقاء كما ذكرنا في إطاره الصحيح ودون الانبهار الذي يغشي العيون ويذهل الأفئدة ، وليس جميع النقل مفيدا ، وليس جميع الرفض صحيحا ، ولكن التجريب هو الأساس ، طالما كانت لدينا رؤية واضحة للتعامل مع الآخر وقبوله والقناعة بأن الحضارة الإنسانية تراثا مشتركا للجميع..
خالد جودة
حرر من قبل أبن مصاول