الرئيسية التسجيل البحث جديد مشاركات اليوم الرسائل الخاصة أتصل بنا
LAst-2 LAst-3 LAst-1
LAst-5
LAst-4
LAst-7 LAst-8 LAst-6

 
 عدد الضغطات  : 27671
 
 عدد الضغطات  : 38696

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: شيلات الشاعر عبدالرحمن العقيلي باصوات افضل المنشدين (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: مرثية الشاعر عبدالرحمن العقيلي في والده الشيخ متروك بن صالح العقيلي رحمه الله https: (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: مرثية الشيخ تراحيب بن صالح العقيلي رحمه الله1440هــ (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: حفل الشاب سعود عبد الكريم العقيلي عنيزه (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: حفل الشاب نور بن زبن العقيلي (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: حفل الشاب عبدالله مرداس العقيلي (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: مرثية الراحل الاستاذ عواض بن نور العقيلي رحمه الله (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: عودة بعد غيبة ليست بالقصيرة واعتذار (آخر رد :عبدالرحمن العقيلي)       :: موقف الشيخ هدايه الشاطري شيخ شمل الشطر مع العتيبي والحابوط (آخر رد :الخضيراء)       :: الشيخ هدايه بن عطيه شيخ شمل الشطر مع العتيبي (آخر رد :الخضيراء)      


العودة   منتديات الموازين الرسميه > المنتديات العامة > المنتدى الاسلامي

المنتدى الاسلامي كل ما يتعلق بالقضايا والمناقشات الإسلاميه , اسلاميات , متفرقات اسلاميه , مقالات إسلاميه , محاظرات إسلامية , أحاديث نبويه , احاديث قدسيه , روائع اسلاميه (بما يتفق مع مذهب أهل السنه والجماعه).

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 1 )
عضو مشارك
رقم العضوية : 7578
تاريخ التسجيل : 24 12 2009
الدولة : أنثى
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 169 [+]
آخر تواجد : 26 - 10 - 10 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : ماعاد فيني روح is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
Thumbs up سلسلة السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة

كُتب : [ 27 - 12 - 09 - 12:21 AM ]

السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة (1)
________________________________________
الهجرة إلى المدينة:
هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة هو ذلك الحدث الذي غيّر مجرى التاريخ.
إن حدث الهجرة يمثل أهمّ حدث من أحداث التاريخ الإسلامي، به بدأ بناء الدولة الإسلامية، وبناء الأمة التي تعبد الله وحده لا شريك له، وتبلّغ دينه الحنيف إلى كل الناس.
إن حدث الهجرة يرفع الإنسان من الذلّ إلى العزة إذا كان بين قوم لئام، فهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ناله من مشركي مكة ما ناله، فخرج منها مهاجرًا، وقال وهو على راحلته بعد أن خرج منها: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت"، فهاجر إلى طيبة الطيبة، فكان من أمره ما كان، ثم عاد إليها وفتحها الله عليه.
لقد هاجر النبي –صلى الله عليه وسلم- من أجل الدين لا من أجل الدنيا، فقد بقي في مكة طيلة هذه المدة رغم الأذى الذي يتعرض له هو وأصحابه، لأنه كان يسير بأمر الله سبحانه، وكان يريد أن يبلغ دين الله سبحانه وأن يهدي البشرية إلى طريق السعادة الأبدية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [(45-46) سورة الأحزاب].
لقد كانت الهجرة نتيجة صبر ثلاثة عشر عامًا من الخوف والجوع والحصار والأذى، فكانت الثمرة على قدر التعب وعلى قدر الصبر، وهكذا هذا الدين لا يعطي ثمرته إلا لمن صبر وثابر، أما من استعجل النتائج فإنه يُحرَم وهذه سنّة كونية، من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
فدولة المدينة التي شعّ منها النور إلى كلّ الأرض كانت نتيجة لصبر مكّة، ورسول الله الذي خرج من مكة سرًّا والناس يبحثون عنه، دخل المدينة في احتفال عظيم يحفّ به الناس من كلّ جانب، كلّ منهم يطلب منه أن ينـزل عنده، وتحقق للنبي –صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه قول الله تعالى ووعده لعباده الصالحين: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور].
لم تكنْ الهجرةُ إلى المدينة ترفًا ثقافيًا أو سياحةً أو متعةً أو استكشافًا لعالمٍ جديد، كلاَّ، لقد كانتْ خيارًا لا مفرّ منه، وحلًا أخيرًا بعد أنْ ضاقتْ بالمسلمينَ أرضُ مكةَ بما رحبت وتغيّرَ عليهم الناس، وأصبحتْ بضعُ ركعاتٍ في المسجدِ الحرامِ جريمةً لا تُغتفر، وغدتْ قراءةُ القُرآن رجعيةً وهمجيةً وإرهابًا وتطرفًا في نظر قريش.
إن الهجرة في سبيل الله سنة قديمة، ولم تكن هجرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بدعًا في حياة الرسل لنصرة عقائدهم، فلئن كان قد هاجر من وطنه ومسقط رأسه من أجل الدعوة حفاظًا عليها وإيجاد بيئة خصبة تتقبلها وتستجيب لها، وتذود عنها، فقد هاجر عدد من إخوانه من الأنبياء قبله من أوطانهم لنفس الأسباب التي دعت نبينا للهجرة، وذلك أن بقاء الدعوة في أرض قاحلة لا يخدمها بل يعوق مسارها ويشل حركتها، وقد يعرضها للانكماش داخل أضيق الدوائر.
وقد قص علينا القرآن الكريم نماذج من هجرات الرسل وأتباعهم من الأمم الماضية لتبدو لنا في وضوح سنة من سنن الله في شأن الدعوات، يأخذ بها كل مؤمن من بعدهم إذا حيل بينه وبين إيمانه وعزته، واستخف بكيانه ووجوده واعتدى على مروءته وكرامته.
إن الهجرة من مكة كانت إيذانًا بفتح مكة، لماذا؟ لأن الهجرة النبوية لم تكن هروبًا من معركة أو فرارًا من مواجهة، بل كانت تجسيدًا للجهاد وترسيخًا لقواعد الإيمان.
ما كانت الهجرة طلبًا للراحة والاستجمام ولا حرصًا على الحياة، بل كانت استجابة لأمر رباني لاستئناف الحياة الإسلامية.
من كان يظن أن يكون أولئك النفر الستة سيكونون هم بداية مرحلة جديدة من العز والتمكين، والبذرة الأولى لشجرة باسقة ظلت تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؟.
ومن كان يخطر بباله أن تشهد تلك الليلة من ليالي الموسم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبو بكر يطوفان بمنى حتى إذا سمعا صوت رجال يتكلمون مالا إليهم فقالا وقالوا، وتحدثا وسمعوا، وبينا فأصغوا، فانشرحت القلوب، ولانت الأفئدة ونطقت الألسنة بالشهادتين، وإذا بأولئك النفر من شباب يثرب يطلقون الشرارة الأولى من نار الإسلام العظيمة التي أحرقت الباطل فتركته هشيمًا تذروه الرياح؟.
من كان يظن أن تلك الليلة كانت تشهد كتابة السطور الأولى لملحمة المجد والعزة؟ يا سبحان الله، إن نصر الله يأتي للمؤمن من حيث لا يحتسب ولا يقدر، لقد طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمجتمعات القبائل وقصد الرؤساء وتوجه بالدعوة إلى الوجهاء وسار إلى الطائف، فعل ذلك كله عشر سنوات وهو يرجو أن يجد عند أصحاب الجاه والمنعة نصرة وتأييدًا.
كان يقول -صلى الله عليه وسلم- في كل موسم: ((من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي))، ومع كل هذا لم يجد من يؤويه ولا من ينصره، بل لقد كان الرجل من أهل اليمن أو من مضر يخرج إلى مكة فيأتيه قومه فيقولون له: "احذر غلام قريش لا يفتنك"!
نعمْ لم تأت النصرة والحماية والتمكين من تلك القبائل العظيمة ذات المال والسلاح، وإنما جاءت من ستة نفر جاؤوا على ضعف وقلة.
إنها التقادير يوم يأذن الله بالفرج من عنده، ويأتي النصر من قلب المحنة، والنور من كبد الظلماء، والله تعالى هو المؤيد والناصر، والبشر عاجزون أمام موعود الله.
أرأيتم، يُعرض الكبراء والزعماء ويستكبر الملأ وتتألب القبائل وتتآمر الوفود وتُسد الأبواب، ثم تكون بداية الخلاص بعد ذلك كله في ستة نفر لا حول لهم ولا قوة، فهل يدرك هذا المعنى أولئك المتعلقون بأذيال المادية الصارخة والنافضون أيديهم من قدرة الله وعظمته؟ وهل يدرك هذا المعنى الغارقون في تشاؤمهم اليائسون من فرج قريب لهذه الأمة المنكوبة المغلوبة على أمرها؟
إن الله ليضع نصره حيث شاء وبيد من شاء وعلينا أن نعمل، وأن نحمل دعوتنا إلى العالمين، وألا نحتقر أحدًا ولا نستكبر على أحد، وعلينا أن نواصل سيرنا مهما أظلم الليل واشتدت الأحزان، فمن يدري لعل الله يصنع لنا في حلكات ليلنا الداجي خيوط فجر واعد؟ ومن يدري لعل آلامنا هذه مخاض العزة والتمكين؟.
إن الهجرة النبوية الشريفةَ كانَت بحقٍّ فَتحًا مبِينًا ونَصرًا عَزيزًا وتمكِينًا وظهورًا لهذَا الدّينِ، وهزيمةً وذُلًا وصَغارًا على الكافرين.
وإنَّ هذه الأمةَ المسلِمة خليقةٌ بأَن تأخذَ من أحداث الهجرةِ المددَ الذي لا ينفَد والمَعينَ الذي لا يَنضَب والزَّادَ الذي لا يفنَى، فتختطَّ لنفسها خطّةَ رشدٍ ومناهج سير ومعالمَ هداية وسبيل سعادة، إذ هيَ جَديرة بأن تبعثَ في الأمة المسلِمة اليومَ ما قد بعثَته فيها بالأمسِ مِن روحِ العِزَّة وبواعثِ السموِّ وعواملِ النصر وأسبابِ التَّمكين.
إنه الحدث الذي ما تزال أنواره وأسراره تكشف لنا الكثير من الخلل والخطر الذي تعيشه أمتنا، إنه الحدث العظيم الذي غيّر وجه تاريخ البشرية كلها، إنه الحدث العظيم الذي أعلن مبادئ الأمة وشيد معالم الدولة.
لا تعرف الإنسانية ولا الحياة ولا الشعوب في تاريخها الطويل حدثًا كالهجرة كان له أبعد الآثار والنتائج على البشر أجمعين، وليس في تاريخ الإسلام ما يفوق الهجرة في جلالها وأهميتها وعظمتها، وفي بعيد أثرها على تاريخه وتاريخ المسلمين كافة.
واتفق الصحابة على جعل الهجرة مبدًأ للتاريخ الإسلامي؛ وذلك لأنهم رأوا في الهجرة أعظم نصر حققه الإسلام، وميلادًا جديدًا أحيا به عقولًا سممتها الشكوك والشبهات وحل به من الأغلال أفكارًا قيدتها الخرافات، والهجرة مثل رائع للثبات والصبر والتحمل وقوة الإيمان، فلقد قام الرسول –صلى الله عليه وسلَّم- بمكة يدعو الناس إلى الله، فأوذي وحورب وحوصر حتى أراد الله إظهار دينه فساق إليه نفرًا من الأنصار من أهل المدينة فآمنوا ورجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم إلى الإسلام، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا ودخلها الإسلام، وهكذا هيأ الله لرسوله دار الهجرة.
وقبل الهجرة إلى المدينة هاجر المهاجرون الأوائل إلى الحبشة، ففي الوقت الذي اشتد فيه أذى الكفار لرسول الله –صلى الله عليه وسلَّم- ولمن أسلم وجهه لله أذن الرسول –صلى الله عليه وسلَّم- في الهجرة إلى الحبشة وقال: ((إن بها ملكًا لا يُظلم الناس عنده))، فهاجر من المسلمين اثنا عشر رجلًا وأربع نسوة في مقدمتهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلَّم- فأقاموا في الحبشة في أحسن جوار وتوالت الهجرة إلى الحبشة ثم جاءت هجرة المدينة.
وملخص أحداثها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلغ رسالة ربه ويدعو إليه على بصيرة فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإعراض عنها والإيذاء الشديد للرسول –صلى الله عليه وسلَّم- ومن آمن به حتى آل الأمر بهم إلى تنفيذ خطة المكر والخداع لقتل النبي –صلى الله عليه وسلَّم- حيث اجتمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله –صلى الله عليه وسلَّم- حين رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة وأنه لا بد أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار الذين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم وحينئذ تكون له الدولة على قريش، فقال عدو الله أبو جهل: "الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتىً شابًا جلدًا ثم نعطي كل واحد سيفًا صارمًا ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه، فيتفرق دمه في القبائل، فلا يستطيع بنو عبد مناف أن يحاربوا قومهم جميعًا فيرضون بالدية فنعطيهم إياها".
فنـزل جبريل -عليه السلام- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من ربه -تبارك وتعالى- فأخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، وبين له خطة الرد على قريش فقال‏:‏ "لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه"‏.‏
وذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهاجرة حين يستريح الناس في بيوتهم إلى أبي بكر -رضي الله عنه- ليبرم معه مراحل الهجرة، قالت عائشة -رضي الله عنها-‏:‏ "بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر‏:‏ هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر‏:‏ "والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر"،‏ قالت: ‏فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏ فاستأذن، فأذن له فدخل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر‏:‏ ((‏‏أخرج مَنْ عندك‏))، فقال أبو بكر‏:‏ "إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله"، قال‏: ((‏‏فإني قد أذن لي في الخروج))‏، فقال أبو بكر‏:‏ "الصحبة بأبي أنت يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏((نعم))‏، ثم أبرم معه خطة الهجرة، ورجع إلى بيته ينتظر مجيء الليل‏، واستمر في أعماله اليومية حسب المعتاد حتى لا يشعر أحد بأنه يستعد لشيء.
أما أكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الإعداد سرًا لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها برلمان مكة ‏في ‏دار الندوة‏‏ صباحًا.
وكان من عادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن ينام في أول الليل بعد صلاة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل إلى المسجد الحرام يصلي فيه قيام الليل، فأمر عليًا -رضي الله عنه- تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجى ببرده الحضرمي الأخضر، وأخبره أنه لا يصيبه مكروه، فلما كانت عتمة من الليل وساد الهدوء ونام عامة الناس، جاء المجرمون إلى بيته -صلى الله عليه وسلم- سرًا، واجتمعوا على بابه يرصدونه، وهم يظنونه نائمًا حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه، ونفّذوا ما قرّروا فيه، وكانوا على ثقة ويقين جازم من نجاح هذه المؤامرة الدنيئة، وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل في وقت خروجه -صلى الله عليه وسلم- من البيت، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر، ولكن الله غالب على أمره بيده ملكوت السموات والأرض يفعل ما يشاء وهو يجير ولا يجـار عليه فقـد تحقق مـا خاطب به الله الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما بعد‏:‏ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِ)

السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة (2)
________________________________________
وقد فشلت قريش في خطتها فشلًا ذريعًا مع غاية التيقظ والتنبه؛ إذ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من البيت واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رءوسهم، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو‏ قوله -عز وجل-: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [(9) سورة يــس]،‏‏ فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، ومضى إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلًا حتى لحقا بغار ثَوْر في اتجاه اليمن‏.
وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، وقبيل حلولها تجلّت لهم الخيبة والفشل، فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه فقال‏:‏ "ما تنتظرون؟"، قالوا‏:‏ "محمدًا"،‏ قال‏:‏ "خبتم وخسرتم، قد والله مرَّ بكم وذرَّ على رؤوسكم التراب وانطلق لحاجته"، قالوا‏:‏ "والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم"‏.‏
وتطلعوا من صير الباب فرأوا عليًا، فقالوا‏:‏ والله إن هذا لمحمد نائمًا عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا‏.
وقام علىٌّ عن الفراش فسقط في أيديهم وسألوه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ "لا علم لي به‏".غادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته وأتى إلى دار أبي بكر -رضي الله عنه-‏‏ ثم غادرا المنـزل وخرجا من مكة على عجل قبل أن يطلع الفجر‏.
ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن قريشًا سَتَجِدُّ في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالًا، فسلك الطريق الذي يضاده تمامًا وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثَوْر، وهو جبل شامخ وَعِر الطريق صعب المرتقى ذو أحجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل وطفق يشتد به حتى انتهي به إلى غار في قمة الجبل عرف في التاريخ بغار ثور‏.
ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: "والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك"، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ "ادخل، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووضع رأسه في حجره ونام، فلُدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسقطت دموعه على وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال‏:‏ ((‏‏ما لك يا أبا بكر‏؟‏‏‏))، قال‏:‏ "لدغت فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الموضع فذهب ما يجده‏.
وكَمُنَا في الغار ثلاث ليال،‏ وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما‏،‏ قالت عائشة‏:‏ وهو غلام شاب ثَقِف لَقِن، فيُدْلِج من عندهما بسَحَر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، و‏‏كان‏‏ يرعى عليهما عامر بن فُهَيْرَة مولى أبي بكر فيتبع بغنمه أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليُعَفي عليه‏.
أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صباح ليلة تنفيذ المؤامرة‏، فأول ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا عليًا وسحبوه إلى الكعبة وحبسوه ساعة علهم يظفرون بخبرهما‏.
ولما لم يحصلوا من عليّ على جدوى جاؤوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها‏:‏ أين أبوك‏؟‏ قالت‏:‏ لا أدرى والله أين أبي‏؟‏ فـرفع أبو جهل يده فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها‏.
وقررت قريش في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين، فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة ‏‏في جميع الجهات‏‏ تحت المراقبة المسلحة الشديدة، كما قررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين كائنًا من كا‏ن.
فجدت الفرسان والمشاة وقصاص الأثر في الطلب وانتشروا في الجبال والوديان والوهاد والهضاب، لكن من دون جدوى، وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، ولكن الله غالب على أمره.
روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال:‏ "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت‏:‏ يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا"،‏ قال:‏ ((‏‏اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما))‏، وفي لفظ:‏ ((‏‏ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما))‏‏.
وحين خمدت نار الطلب وتوقفت أعمال دوريات التفتيش وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة أيام بدون جدوى تهيأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه للخروج إلى المدينة‏، وكانا قد استأجرا عبد الله بن أُرَيْقِط الليثي، وكان خِرِّيتًا ماهرًا بالطريق وكان على دين كفار قريش، وأمّناه على ذلك وسلّما إليه راحلتيهما وواعداه غار ثَوْر بعد ثلاث ليال براحلتيهما، فلما كانت ليلة الاثنين غرة ربيع الأول للسنة الأولى من الهجرة جاءهما عبد الله بن أريقط بالراحلتين وأتتهما أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- بسُفْرَتِهما، ونسيت أن تجعل لها عِصَامًا، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام، فشقت نطاقها باثنين، فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر فسميت:‏ ذات النطاقين‏.
ثم ارتحل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه-، وأول ما سلك بهم ابن أريقط بعد الخروج من الغار أنه أمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربًا نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس اتجه شمالًا على مقربة من شاطئ البحر الأحمر وسلك طريقًا لم يكن يسلكه أحد إلا نادرًا‏.
قال عروة بن الزبير:‏ "سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحَرَّة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أَوْفي رجل من يهود على أُطُم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي إلاّ أن قال بأعلى صوته‏:‏ يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح‏‏ وتلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بظهر الحرة".‏ وكانت المدينة كلها قد زحفت للاستقبال، وكان يومًا مشهودًا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها.
أقبل فتلك ديار يثرب تقبل *** يكفيك من أشواقها ما تحمل
القوم مذ فارقت مكة أعين *** تأبى الكرى وجوانح تتململ
يتطلعون إلى الفجاج وقولهم *** أفما يطالعنا النبي المرسل
رفت نضارتها وطاب أريجها *** تدفقت أنفاسها تتسلسل
فكأنما في كل دار روضة *** وكأنما في كل مغنى بلبل
ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقباء، وكان وصوله يوم الاثنين الثامن من شهر ربيع الأول، ومكث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بمكة ثلاثًا حتى أدى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمانات التي كانت عنده للناس، ثم هاجر ماشيًا على قدميه حتى لحقهما بقباء.
وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقباء أربعة أيام‏:‏ الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس‏،‏ وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، فلما كان اليوم الخامس يوم الجمعة ركب بأمر الله له، وأبو بكر رديفه، وأرسل إلى بني النجار أخواله فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة وهم حوله، وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلى بهم في المسجد الذي في بطن الوادي وكانوا مائة رجل‏، ثم سار بعد الجمعة حتى دخل المدينة، ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان يومًا مشهودًا ارتجت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح، ولا يستطيع واصف أن يصف ذاك المشهد العظيم حين خرج أهل المدينة مهللين مكبرين فرحين بمقدم النبي الكريم.
وعند وصوله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة أخذ أهل المدينة يقولون: جاء نبي الله، جاء نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله، جاء نبي الله، فكان يوم فرح وابتهاج لم تر المدينة يومًا مثله، ولبس الناس أحسن ملابسهم كأنهم في يوم عيد، ولقد كان حقًّا يوم عيد؛ لأنه اليوم الذي انتقل فيه الإسلام من ذلك الحيز الضيق في مكة إلى رحابة الانطلاق والانتشار بهذه البقعة المباركة المدينة، ومنها إلى سائر بقائع الأرض.
لقد أحس أهل المدينة بالفضل الذي حباهم الله به، وبالشرف الذي اختصهم به أيضًا، فقد صارت بلدتهم موطنًا لإيواء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته المهاجرين، ثم لنصرة الإسلام كما أصبحت موطنًا للنظام الإسلامي العام التفصيلي بكل مقوماته، ولذلك خرج أهل المدينة يهللون في فرح وابتهاج، ويقولون: يا رسول الله، يا محمد، يا رسول الله.
والأنصار وإن لم يكونوا أصحاب ثروات طائلة إلا أن كل واحد منهم كان يتمنى أن ينـزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام راحلته:‏ "هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة"، فكان يقول لهم:‏ ((خلوا سبيلها فإنها مأمورة‏))‏، فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت، ولم ينـزل عنها حتى نهضت وسارت قليلًا، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول فنـزل عنها، وذلك في بني النجار -أخواله -صلى الله عليه وسلم- وبادر أبو أيوب الأنصارى إلى رحله فأدخله بيته، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:‏ ((‏‏المرء مع رحله‏))‏، وجـاء أسعد بن زرارة فأخـذ بزمام راحلته فكانت عنده‏.
وبعد أيام وصلت إليه زوجته سَوْدَة وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص لم يُمَكّنها من الخروج حتى هاجرت بعد غزوة بدر‏.


السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة (3)
________________________________________
شعّ الهدى والبشرُ في بسماتهِ *** واليُمن والإيمان في قسماتهِ
وتفجرت فينا ينابيع الهدى *** واستيقظ التأريخ من غفواتهِ
"اقرأ وربُّك" في حراء تحررت *** والدهر غافٍ في عميق سباتهِ
جبريل حاملها وأحمد روحها *** إن الحديث موثّقُ برواتهِ
إقرأ معاني الوحي في كلماته *** في نسكهِ وحياتهِ ومماته
لو نُظّمت كلّ النجوم مدائحًا *** كانت قلائدهنّ بعض صفاته
يا من بنى للكون أكرم أمّةٍ *** من علمه من حلمه وأناته
صاروا ملوكًا للأنام بُعيْد أن *** كانوا رعاءَ الشاءِ في فلواته
من حطّم الأصنام في تكبيره *** من عانق التوحيد في سجداتهِ
من أطلق الإنسان من أغلاله؟! *** من أخرج الموءود من دركاته؟!
من علّم الحيران درب نجاتهِ؟! *** من أورد العطشان عذب فراتهِ؟!
من هدّ بنيان الجهالة والعمى؟! *** وبنى الأمان على رميم رفاتهِ؟!
في الهجرة الغراء ذكرى معهدٍ *** نستلهمُ الأمجاد من خطراته
تاريخ أمتنا ومنبع عزّنا *** ودروبنا تزهو بإشراقاته
فيه الحضارة والبشارة والتقى *** ومُقِيل هذا الكون من عثراته
فتألقي يا نفس في نفحاته *** واستشرفي الغايات من غاياته
إن هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة بحسب الظاهر ترك للوطن وتضييع له لكنها كانت في الواقع حفاظًا عليه وضمانة له، فقد عاد بعد بضع سنوات من هجرته، عاد إلى وطنه الذي أخرج منه عزيز الجانب منصورًا مظفرًا، من أجل كل ذلك أرخ المسلمون بالهجرة، فلقد كانت نصرًا وميلادًا جديدًا للإسلام.
إنه الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء والصبر والنصر والفداء والتوكل والقوة والإخاء والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنه حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقًا للنصر والعزة ورفع راية الإسلام وتشييد دولته وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيسًا في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه.
هذه هي قصة تلك الرحلة العظيمة رحلة الهجرة، رحلة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، رحلة خروج الداعية من بلده إلى أرض الله الواسعة ليمارس شعائر دينه وينشر دعوته على الناس فيعم الخير، رحلة المفارقة لقوم السوء الذين لا ينشرون الخير ولا يعينون عليه.
تلك الهجرة التي غيرتْ مسارَ التاريخ, وفاجأت العالم بأحداثِها الضخمة ونتائجِها المُدهشة, فقدْ كانتْ سببًا رئيسًا لقيامِ دولةِ الإسلامِ في المدينة, تلك الدولة التي لم تقفْ عند حدودٍ سياسيةٍ أو خطوطِ تماسٍ مكهربة صنعها المُحتلُ الأجنبي، ولكنَّها أخذتْ في الانتشارِ يمنةً ويسرة, حتى نتجَ عنها دولةُ الإسلامِ العالميةِ, والتي غمرتْ الدنيا بفيضِ نورِها المُشع, وبددتْ الظلامَ المتراكم عبرَ السنين, وقدمتْ للبشريةِ أنموذجًا نادرًا للكيفيةِ التي تُبنى من خلالِها الدول، فتتصاغرُ أمامَ ذلك الأُنموذجِ الفريد كلُّ النماذجِ الأُخرى.
ما أحوجَ الأُمة اليومَ وهي تُعاني ما تعانيه من تمزقٍ وضعفٍ وتناحرٍ, ما أحوجَها إلى قراءةِ تاريخِها من جديد، ومراجعةِ سيرِ أسلافِها الأولين, لتأخذَ الدروسَ والعبر علَّها تستعيد ُمجدها الغابر وتاجَها المفقود, فهيهات هيهات أن يصلحَ حالُ آخرِ هذه الأمةِ إلاّ بما صلحَ به حالُ أولِها, فاعتبروا يا أولي الأبصار.
إن في هذا الحدث العظيم من الآيات البينات والآثار النيرات والدروس والعبر البالغات ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطرق لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها.
أولًا: إننا نعيش في وقتٍ كشَّر العدوُّ عن أنيابه وأطلَّتِ الرويبضةُ برأسِها القبيح: ألا إنَّ من أعظمِ دروسِ الهجرةِ الشريفةِ ما يجبُ أن نُدركَه جميعًا أنَّ الغايةَ الكُبرى من الوجودِ الإنسانيِ بأسرهِ هو عمارةُ الأرضِ بالتوحيدِ والإيمان , وإقامةُ حكم اللهِ وشرعهِ في عظائمِ الأُمورِ فما دُونها , أليس اللهُ يقولُ: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [(56) سورة العنكبوت].
إذًا فمتى تعذَّرَ تحقيقُ هذه الغايةِ فوقَ أرضٍ ما، فلا بُدَّ من البحثِ عن غيرِها مهما كان الثمن, ومهما كانتِ التضحيات أملًا في إيجادِ أرضيةٍ صالحةٍ للانطلاقةِ العُظمى ونشرِ الإسلامِ في ربوعِ الأرض وعرضِ العقيدةِ بصفائِها ونقائِها على الناسِ دون ضغطٍ أو إكراه.
وهكذا كان الأمرُ في مكة, فيومَ رفضَ أهلُها الإيمانَ والتوحيد وآثروا الكفرَ والتقليد أصبحتْ مكةُ بلدَ كفرٍ ودارَ حربٍ, وحُرِّمَ البقاءُ فيها, وأصبحتْ مجاورتُها مع القدرةِ على مُغادرتِها واحدةً من كبائرِ الذنوب، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [(97) سورة النساء].
ثانيًا: إنَّهُ لا قيمةَ للأرضِ ولا للوطنِ حين تفسدُ الأرضُ ويكفرُ الوطن: لقد هاجرَ النبيُ –صلى الله عليه وسلم- وأصحابهُ الوطنَ الذي تربَّوا فيه والأرضَ التي نشؤوا فوقها, وباعوها بأرخصِ الأثمانِ, واشتروا أنفسَهم وأموالَهم بأنَّ لهم الجنَّة، وفي هذا كلِّهِ صفعةٌ لكلِّ الذين يُمجّدون الأرضَ والرمال, ويُعظمونَ الصخورَ والترابَ على حسابِ العقيدة.
إنَّ الولاءَ يَجبُ أن يكونَ للهِ وحده , فالأرواحُ لا تُبذلُ إلا في سبيلهِ, والدماءُ لا تُراقُ إلا من أجلهِ, والجهادُ لا يكونُ إلا لإعلاءِ دينهِ، أما حُبّ الوطنِ فإنَّما يَكونُ بمقدارِ حبِّ أهلهِ للإسلام وتمسكِ أهلهِ بالإسلام، وبغيرِ الإسلام تصبحُ الأوطانُ مجرّدَ أتربةٍ وحجارة لا وزنَ لها ولا قيمة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [(38) سورة التوبة].
ثالثًا: إنَّ هذا الدينِ لا يَقومُ إلا بالتضحيةِ والبذلِ والعطاء: إنَّهُ دينٌ لا يُعلِّقُ كبيرَ أملٍ على الكُسالى والخانعين, ولا يمنحُ شرفَ حملهِ ونُصرتهِ للمتراجعينَ والمتثاقلين.
إنَّ الدينَ ليس قضية بيعٍ وشراء أو منّةً وأذى, إنَّما هو جهدٌ وعناء, وبذلٌ وعطاء, وتضحيةٌ وفداء, ودموعٌ ودماء, وجراحٌ وأشلاء.
قلِّبِ النظرَ أنَّى شئتَ في تاريخِ أسلافِك: أما خُلعتْ رؤوسٌ من أجلِ هذا الدين؟! أما بُقرتْ بطون؟! أما قُطِّعتْ أطراف؟! أما سُحلت أجسام وسمّلت عيون؟!
الجواب: بلى، لقد مضتْ قوافلُ الشهداء وقوافلُ المجاهدين إلى ربها، بعضُها إثرَ بعض، فماذا صنعت أنتَ أيُّها الأخُ الحبيب؟! ماذا قدَّمت لدينِك وأُمتِك المُعذّبة؟! ما مقدارُ الهمِّ الذي تحملهُ في قلبِك تِجاه قضايا الإصلاحِ والتغيير؟!.
رابعًا: إن من أعظم دروس الهجرة وأجل عبرها: صناعة الأمل: نعم، إن الهجرة تعلم المؤمنين فنّ صناعة الأمل، الأمل في موعود الله، الأمل في نصر الله، الأمل في مستقبل مشرق لـ(لا إله إلا الله)، الأمل في الفرج بعد الشدة، والعزة بعد الذلة، والنصر بعد الهزيمة.
لقد رأيتم كيف صنع ستة نفر من يثرب أمل النصر والتمكين، وها هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع الأمل مرة أخرى حين عزمت قريش على قتله.
إن الهجرة تعلمنا في كل فصل من فصولها كيف نصنع الأمل، ونترقب ولادة النور من رحم الظلمة، وخروج الخير من قلب الشر، وانبثاق الفرج من كبد الأزمات

منقول:(ماعادفيني روح)





التعديل الأخير تم بواسطة محمد م . م . م ; 30 - 12 - 09 الساعة 01:24 AM
رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 2 )
مراقب سابق
رقم العضوية : 503
تاريخ التسجيل : 03 09 2007
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,028 [+]
آخر تواجد : 17 - 10 - 12 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : محمد م . م . م is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة(1)

كُتب : [ 27 - 12 - 09 - 12:48 AM ]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 3 )
جديد
رقم العضوية : 7243
تاريخ التسجيل : 24 10 2009
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 8 [+]
آخر تواجد : 23 - 06 - 18 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الفراشة السعودية is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة(1)

كُتب : [ 27 - 12 - 09 - 01:08 AM ]

اشكرك ماعادفيني روح علي الموضوع

رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 4 )
عضو مشارك
رقم العضوية : 7578
تاريخ التسجيل : 24 12 2009
الدولة : أنثى
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 169 [+]
آخر تواجد : 26 - 10 - 10 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : ماعاد فيني روح is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة(1)

كُتب : [ 27 - 12 - 09 - 01:16 AM ]

الله يعافيك مـحمــــــــــد اشكـــــــــــــــــــــــرك على المــــــــــــرور

رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 5 )
عضو مشارك
رقم العضوية : 7578
تاريخ التسجيل : 24 12 2009
الدولة : أنثى
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 169 [+]
آخر تواجد : 26 - 10 - 10 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : ماعاد فيني روح is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة(1)

كُتب : [ 27 - 12 - 09 - 01:17 AM ]

اشكرك عـــــــــــــــلى المـــــــــــــــــــــــــرور الفراشة السعودية

رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 6 )
عضو مشارك
رقم العضوية : 7499
تاريخ التسجيل : 06 12 2009
الدولة : أنثى
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : المنطقه الشرقيه(الخبر فديتها)
عدد المشاركات : 281 [+]
آخر تواجد : 10 - 01 - 10 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : بريئه بدنيا جريئه is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة(1)

كُتب : [ 29 - 12 - 09 - 06:17 PM ]


رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 7 )
عضو مشارك
رقم العضوية : 7578
تاريخ التسجيل : 24 12 2009
الدولة : أنثى
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 169 [+]
آخر تواجد : 26 - 10 - 10 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : ماعاد فيني روح is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة(1)

كُتب : [ 29 - 12 - 09 - 11:55 PM ]

اشكرك على المرور برئيه

رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 8 )
مراقب سابق
رقم العضوية : 503
تاريخ التسجيل : 03 09 2007
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,028 [+]
آخر تواجد : 17 - 10 - 12 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : محمد م . م . م is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: سلسلة السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة

كُتب : [ 30 - 12 - 09 - 01:29 AM ]

تم تنسيق الموضوع أختي الكريمة لا إلا يتشتت القارئ ويكون الموضوع في سلسلة واحدة

وللإحاطة جرى التنويه

ولك فائق شكري وتقديري على جهودك الطيبة ويثبت الموضوع

رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 9 )
عضو مشارك
رقم العضوية : 7578
تاريخ التسجيل : 24 12 2009
الدولة : أنثى
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 169 [+]
آخر تواجد : 26 - 10 - 10 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : ماعاد فيني روح is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: سلسلة السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة

كُتب : [ 30 - 12 - 09 - 02:05 PM ]

الله يعافيـــــــــــــــــك محـــــــــمد م.م.م.

رد مع اقتباس
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 10 )
متواجد
رقم العضوية : 7311
تاريخ التسجيل : 30 10 2009
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : صـــــــــأدقـ الوووووووود
عدد المشاركات : 423 [+]
آخر تواجد : 06 - 03 - 21 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : زياد بن صحران is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي رد: سلسلة السيرة النبوية الهجرة إلى المدينة

كُتب : [ 03 - 01 - 10 - 10:14 PM ]

مشكوووووره ع الطرح الرائع والله لايحرمك الاجر

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:29 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
المجموعة العربية للاستضافة والتصميم

إن إدارة المنتديات غير مسؤولة عن أي من المواضيع المطروحة وانها تعبر عن رأي صاحبها