|
||||||
|
||||||
|
||||||
|
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات » |
قسم القصة والقصيدة يعنى بالقصص المدعومة بالشواهد الشعرية. |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع |
غير متواجد حالياً
|
رقم المشاركة : ( 1 ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
لوط عليه السلام
كُتب : [ 27 - 04 - 09
- 07:59 AM ]
ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة : قصة قوم لوط عليه السلام ، وما حل بهم من النقمة العميمة . وذلك أن لوطاً بن هاران بن تارح - وهو آزر كما تقدم - ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل ، فإبراهيم وهاران وناحور أخوة كما قدمنا ، ويقال إن هاران هذا هو الذي بنى حران . وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدى أهل الكتاب . . والله تعالى أعلم . وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وإذنه ، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور زغر ، وكان أم تلك المحلة ولها أرض ومعتملات وقرى مضافة إليها ، ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية ، وأردأهم سريرة وسيرة ، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر ، ولا يتناهون عن منكر فعله لبئس ما كانوا يفعلون . ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بن آدم ، وهي إتيان الذكران من العالمين ، وترك ما خلق الله عن النسوان لعباده الصالحين . فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات والفواحش المنكرات ، والأفاعيل المستقبحات فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم ، واستمروا على فجورهم وكفرانهم ، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسابهم ، وجعلهم مثلة في العالمين ، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين . ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين . فقال تعالى في سورة الأعراف : " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين " . وقال تعالى في سورة هود : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد * فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود * ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب * وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد * قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد * قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب * فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد " . وقال تعالى في سورة الحجر : " ونبئهم عن ضيف إبراهيم * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم * قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون * قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين * إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين * فلما جاء آل لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وأتيناك بالحق وإنا لصادقون * فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين * وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون * فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن في ذلك لآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم * إن في ذلك لآية للمؤمنين " . وقال تعالى في سورة الشعراء : " كذبت قوم لوط المرسلين * إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون * قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين * قال إني لعملكم من القالين * رب نجني وأهلي مما يعملون * فنجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا الآخرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " . وقال تعالى في سورة النمل : " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون * أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين " . وقال تعالى في سورة العنكبوت : " ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين * قال رب انصرني على القوم المفسدين * ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين * قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين * إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون * ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون " . وقال تعالى في سورة الصافات : " وإن لوطا لمن المرسلين * إذ نجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا الآخرين * وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون " . وقال تعالى في سورة الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم : " قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين * فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم " . وقال في سورة القمر : " كذبت قوم لوط بالنذر * إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر * ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر * فذوقوا عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " . وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السور في التفسير . وقد ذكر الله لوطاً وقومه في مواضع أخر من القرآن ، تقدم ذكها مع نوح وعاد وثمود . * * * والمقصود الآن إيراد ما كان من أمرهم ، وما أحل الله لهم ، مجموعاً من الآيات والآثار . . وبالله المستعان . وذلك أن لوطاً عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له . ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش ، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به حتى ولا رجل واحد منهم ، ولم يتركوا ما عنه نهوا . بل استمروا على حالهم ، ولم يرعووا عن غيهم وضلالهم ، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم . وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا : " أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " فجعلوا غاية المدح ذماً يقتضي الإخراج ! وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج . فطهره الله وأهله إلا امرأته ، وأخرجهم منها أحسن إخراج وتركهم في محلتهم خالدين ، لكن بعد ما صيرها عليهم بحيرةً منتنة ذات أمواج ، لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج ، وحر يتوهج ، ماؤها ملح أجاج . وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن ارتكاب الطامة العظمى ، والفاحشة الكبرى ، التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين أهل الدنيا . ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها . وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق ، ويخونون الرفيق ، ويأتون في ناديهم - وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم - المنكر من الأقوال والأفعال على اختلاف أصنافه . حتى قيل إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم ، ولا يستحون من مجالسيهم ، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل ولا يستنكفون ، ولا يرعوون لوعظ واعظ ولا نصيحة من عاقل . وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلاً ، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر ، ولا ندموا على ما سلف من الماضي ، ولا راموا في المستقبل تحويلاً ، فأخذهم الله أخذاً وبيلاً . وقالوا له فيما قالوا : " ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين " فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم ، وحلول البأس العظيم . فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم ، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين أن ينصره على القوم المفسدين . فغار الله لغيرته ، وغضب لغضبته ، واستجاب لدعوته ، وأجابه إلى طلبته وبعث رسله الكرام ، وملائكته العظام ، فمروا على الخليل إبراهيم وبشروه بالغلام العليم ، وأخبروه بما جاءوا له من الأمر الجسيم والخطب العميم : " قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين " وقال : " ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين * قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين " وقال الله تعالى : " فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط " . وذلك أنه كان يرجو أن يجيبوا أن ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا ، ولهذا قال تعالى : " إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود " أي أعرض عن هذا وتكلم غيره ، فإنه قد حتم أمرهم ، ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم ، " إنه قد جاء أمر ربك " أي قد أمر به من لا يرد أمره ، ولا يرد بأسه ، ولا معقب لحكمه . " وإنهم آتيهم عذاب غير مردود " . وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق : أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول : أتهلكون قريةً فيها ثلاثمائة مؤمن قالوا : لا . قال : فمائتا مؤمن ؟ قالوا : لا . قال : فأربعون مؤمناً ؟ قالوا : لا . قال : فأربعة عشر مؤمناً ؟ قالوا : لا . قال ابن إسحاق : إلى أن قال : أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد ؟ قالوا : لا " قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها " الآية . وعند أهل الكتاب أنه قال : يارب . . أتهلكهم وفيهم خمسون رجلاً صالحاً ؟ فقال الله : لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحاً ثم تنازل إلى عشرة فقال الله : لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون . قال الله تعالى : " ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب " قال المفسرون : لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم - وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل - أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم ، في صور شبان حسان ، اختباراً من الله تعالى لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم . فاستضافوا لوطاً عليه السلام وذلك عند غروب الشمس ، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره ، وحسبهم بشراً من الناس ، و " سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب " قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق : شديد بلاؤه . وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم ، كما كان يصنع بهم في غيرهم ، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحداً . ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه . وذكر قتادة : أنهم وردوا عليه وهو في أرض له يعمل فيها ، فتضيفوا فاستحيا منهم وانطلق أمامهم ، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية وينزلون في غيرها ، فقال لهم فيما قال : والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء . ثم مشى قليلاً ، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات ، قال : وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك . وقال السدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط ، فأتوها نصف النهار ، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ، وكانت له ابنتان ؟ اسم الكبرى ريثا والصغرى زغرتا فقالوا لها : يا جارية . . هل من منزل ؟ فقالت لهم : نعم ، مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم . شفقة عليهم من قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه . . أرادك فتيان على باب المدينة ، ما رأيت وجوه قط هي أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم . وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلاً فقالوا : خل عنا فلنضيف الرجال . فجاء بهم فلم يعلم أحد إلا أهل البيت ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، فقالت : إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قط . فجاءه قومه يهرعون إليه . وقوله : " ومن قبل كانوا يعملون السيئات " أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة ، " قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " يرشدهم إلى غشيان نسائهم وهن بناته شرعاً ، لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، كما ورد في الحديث ، وكما قال تعالى : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " وفي قول بعض الصحابة والسلف : وهو أب لهم . وهذا كقوله : " أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون " . وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق ، وهو الصواب . والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب ، وقد تصحف عليهم كما أخطئوا في قولهم : إن الملائكة كانوا اثنين ، وإنهم تعشوا عنده ، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطاً عظيماً . وقوله : " فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد " نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة ، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ولا فيه خير ، بل الجميع سفهاء ، فجرة أقوياء ، كفرة أغبياء . وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه . فقال قومه ، عليهم لعنة الله الحميد المجيد ، مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : " لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد " يقولون - عليهم لعائن الله - لقد علمت يا لوط أنه لا أرب لنا في نسائنا ، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا . واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ، ولم يخافوا سطوة العظيم ، ذي العذاب الأليم . ولهذا قال عليه السلام : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " ود أن لو كان له بهم قوة . أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم ، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب . وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً : " نحن أحق بالشك من إبراهيم ، ويرحم الله لوطاً ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعى " . ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة . وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رحمة الله على لوط ، إن كان يأوي إلى ركن شديد - يعني الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه " . وقال تعالى : " وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين " فأمرهم بقربان نسائهم ، وحذرهم الإستمرار على طريقتهم وسيآتهم . وهذا وهم فذي ذلك لا ينتهون ولا يرعوون ، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون ، ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون ، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون . ولهذا قال تعالى مقسماً بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه : " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " وقال تعالى : " ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر " . ذكر المفسرون وغيرهم : أن نبي الله لوطاً عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول ويدافعهم الباب مغلق ، وهم يرومون فتحه وولوجه ، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب ، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح ، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " لأحللت بكم النكال . قالت الملائكة : " يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم ، فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم ، حتى قيل إنها غارت بالكلية ولم يبق لها محل ولا عين ولا أثر ، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان ، ويتوعدون رسول الرحمن ، ويقولون : إذا كان الغد كان لنا وله شأن ! قال الله تعالى : " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر " . فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل " ولا يلتفت منكم أحد " ، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه . وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم . وقوله : " إلا امرأتك " على قراءة النصب : يحتمل أن يكون مستثنى من قوله : " فأسر بأهلك " كأنه يقول إلا امرأتك فلا تسر بها ، ويحتمل أن يكون من قوله : " ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك " أي فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم ، ويقوي هذا الإحتمال قراءة الرفع ، ولكن الأول أظهر في المعنى . . والله أعلم . قال السهيلي ، واسم امرأة لوط والهة واسم امرأة نوح والغة . وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة ، الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفاً لكل خائن مريب : " إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب " . فلما خرج لوط عليه السلام بأهله ، وهم ابنتاه ، لم يتبعه منهم رجل واحد ، ويقال إن امرأته خرجت معه . . والله أعلم . فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكانت عند شروقها ، جاءهم من أمر الله ما لا يرد ، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد . وعند أهل الكتاب : أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك فاستبعده ، وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم ، فقالوا : اذهب فإنا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها ، ثم نحل بهم العذاب ، فذكروا أنه ذاهب إلى قرية صوعر التي يقول الناس : غور زغر ، فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب . قال الله تعالى : " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد " . قالوا : اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن - وكن سبع مدن - بمن فيهن من الأمم ، فقالوا : إنهم كانوا أربعمائة نسمة ، وقيل أربعة آلاف نسمة ، وما معهم من الحيوانات ، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات ، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء ، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها . قال مجاهد : فكان أول ما سقط منها شرفاتها . " وأمطرنا عليها حجارة من سجيل " والسجيل فارسي معرب : وهو الشديد الصلب القوي ، " منضود " أي يتبع بعضها بعضاً في نزولها عليهم من السماء " مسومة " أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه ، كما قال : " مسومة عند ربك للمسرفين " وكما قال تعالى : " وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين " وقال تعالى : " والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى " يعني قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها ، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل : متتابعة ، مسومة مرقومة على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه ، من الحاضرين منهم في بلدهم ، والغائبين عنها من المسافرين والنازحين والشاذين منها . ويقال إن امرأة لوط مكثت مع قومها ، ويقال إنها خرجت مع زوجها وبنتيها ، ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة ، التفتت إلى قومها وخالفت أمر ربها قديماً وحديثاً ، وقالت : واقوماه ! فسقط عليها حجر فدمغها وألحقها بقومها ، إذا كانت على دينهم ، وكانت عيناً لهم على من يكون عند لوط من الضيفان . كما قال تعالى : " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين " أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه ، وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة - حاشا وكلا ولما - فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغي امرأته ، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف : ما بغت امرأة نبي قط ، ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأً كبيراً . قال الله تعالى قصة الإفك ، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ، ووعظ وحذر قال فيما قال : " إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم " أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة . وقوله هنا : " وما هي من الظالمين ببعيد " أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم . ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم ، سواء أكان محصناً أو لا . ونص عليه الشافعي و أحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة . واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " . وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط ، لقوله تعالى : " وما هي من الظالمين ببعيد " . وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها ، ولا بما حولها من الأرض المتاخمة لفنائها ، لرداءتها ودناءتها ، فصارت عبرةً ومثلةً وعظةً وآيةً على قدرة الله تعالى وعظمته ، وعزته في انتقامه ممن خالف أمره ، وكذب رسله ، واتبع هواه وعصى مولاه ، ودليلاً على رحمته بعباده المؤمنين في إنجائه إياهم من المهلكات ، وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور ، كما قال تعالى : " إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " . وقال الله تعالى : " فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن في ذلك لآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم * إن في ذلك لآية للمؤمنين " أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم ، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة هالكة غامرة ؟ كما روى الترمذي وغيره مرفوعاً : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ : " إن في ذلك لآيات للمتوسمين " . وقوله : " وإنها لبسبيل مقيم " أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن . كما قال : " وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون " وقال تعالى : " ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون " وقال تعالى : " فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم " . أي تركناها عبرةً وعظةً لمن خاف عذاب الآخرة ، وخشي الرحمن بالغيب ، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فانزجر من محارم الله وترك معاصيه ، وخاف أن يشابه قوم لوط . ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وإن لم يكن من كل وجه ، فمن بعض الوجوه ، كما قال بعضهم : فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم فمـــا قــوم لــوط منكم ببعيـــد فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه ، يمتثل ما أمره الله به عز وجل ، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال ، والجواري من السراري ذوات الجمال ، وإياه أن يتبع كل شيطان مريد ، فيحق عليه الوعيد ، ويدخل في قوله تعالى : " وما هي من الظالمين ببعيد " .
|
|
|
|