تقع مدينة تربة إلى الجنوب الشرقي من الطائف، على تقاطع خطي الطول 39َ/41ْ شرقاً والعرض 12َ/21ْ شمالاً، على جانب وادي تربة المشهور من جهة الشمال. ويحد الميدان، الذي دارت فيه المعركة من الجنوب، وادي تربة الكبير؛ ومن الشمال أرض منبسطة بها عدد من التلال الصغيرة؛ ومن الشرق تلال الثغر، فأرض فسيحة منبسطة بها بعض التلال؛ ومن الغرب أرض منبسطة. ومن المعلوم، أن تربة والخرمة خضعتا للحكومة السعودية في الدولة الأولى، وأن أغلبية أهلها يؤيدون الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقد خاض أهلها معارك كثيرة إلى جانب آل سعود.
وتبعد الخرمة مسافة خمسين ميلاً من جبل حَضَن، إلى الشرق. كما تبعد تربة مسافة خمسة وسبعين ميلاً عن جبل حَضَن إلى الجنوب. ويُعد جبل حَضَن، في موروث شبه جزيرة العرب، هو الحد الفاصل بين نجد والحجاز. فقد جاء في الأثر: من رأى حضناً فقد أنجد.
وترتفع الخرمة، الكائنة في وادي سبيع، ثلاثة آلاف وخمسمائة قدم عن مستوى سطح البحر؛ وأغلب سكانها من قبيلة سبيع ، وقسم منهم من الأشراف. وتكمن أهمية الخرمة في وقوعها على طريق التجارة بين نجد والحجاز، وتُعدّ محطة تجارية لتجار الوشم والقصيم.
من هذه الوجهة إذن، تكون البلدتان في نجد. ولكن أصحاب السّيادة فيهما من أشراف الحجاز. فادعى الشريف حسين رعايتهم. ومن الوجهة الأخرى، فإن سكانهما من بدو وحضر، وفيهم الأشراف، تمذهبوا في الزمن الماضي بالمذهب الوهابي، ولهذا السبب أيضاً يدعي ابن سعود أنهم من رعاياه. وكلهم، بدو وحضر، لا يتجاوزون الخمسة والعشرين ألف نفس.
وأمّا تربة فسكانها من عرب البقوم، وفيها، مثل الخرمة، عدد من الأشراف يملكون أكثر أراضيها، وكلهم، بدو وحضر وعبيد، من اتباع ابن سعود، منذ أيام الدولة السعودية الأولى. بيد أن قسماً منهم انضم إلى جيش الحجاز، في الحرب العالمية الأولى، ثم انقلب على الشريف حسين، لأسباب دينية ومالية. فأضمر الشريف حسين في نفسه تأديبهم، ولكن لم يتمكن من ذلك، إلاّ بعد أن انتهت الحرب.
ومع أن تربة قرية لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة آلاف، فهي ذات أهمية لأنها في الطريق إلى الطائف. وهي باب الطائف من الوجهة النجدية، وحصن الطائف من الوجهة الحجازية. ويتبع تربة "سهل شرقي" إلى الشمال الشرقي من البقوم. وحول هاتين القبيلتين، سبيع والبقوم، وقراهما، تسرح وتمرح قبيلة عتيبة الكبيرة.
2. أسباب المعركة
الشريف حسين بن علي
كان أمير الخرمة الشريف خالد بن منصور من بني لؤي، من أقارب الشريف حسين بن علي (شريف مكة) ؛ ولكنه من المتصلبين في الوهابية، لذلك لم تصفُ الصلات بين الشريفين. فقد حدث بينهما خلاف في عام 1336هـ، جعل الشريف حسين يعتقل خالد بن منصور، فاشتعل في صدره الثأر. ولكنه غطاه لحين برماد النسيان، وراح يساعد الأمير عبدالله بن الشريف حسين في حصار المدينة.
وفي المدينة حدث خلاف آخر بين خالد بن منصور والأمير عبدالله، وتكررت الإساءة لخالدٍ. وعندما احتج غضب الأمير عبدالله وصفعه.
وهناك أسباب أخرى تُعزى للخلاف بين الشريف خالد بن لؤي والشريف حسين، شريف مكة. من ذلك ما يروى أن الأشراف كانوا مجتمعين في المدينة المنورة بعد فتحها، في منزل الشريف حسين لبحث أمور تتعلق بهم، وتوزيع المال الذي غنموه بعد فتح المدينة. وبينما هم كذلك أمر الشريف حُسين ابنه عبدالله بتوزيع المال على الأمراء والأشراف الحاضرين. فأخذ يغرف لكل واحد من الحاضرين غرفتين بيديه. وعندما وصل الدور للشريف خالد بن لؤي، غرف له عبدالله غرفة واحدة بيد واحدة. وكان خالد كلّما نظر إلى الأمير عبدالله، عبس عبدالله في وجهه. ويروى أنه عند قدوم الأشراف من مكة إلى المدينة، حدثت مشكلة بين خالد بن لؤي وأحد أمراء الجيش، ويدعى (فاجر بن شليويح العتيبي) من رؤساء عتيبة، ومن المقربين للأمير عبدالله بن الحسين، الأمر الذي أدى بـ (فاجر) أن يلطم الشريف خالد بن لؤي، على مشهد من الأمير عبدالله. فطالب خالدٌ بحقه، فأمر عبدالله بحبس "فاجر" لمدة ثلاثة أيام، ولكنه أطلقه في المساء. فغضب الشريف خالد، فزجره الأمير عبدالله قائلاً: هذا حقك، ولو فكرت في الاعتداء لسجنتك. فغضب خالد غضباً شديداً؛ ثم زاد الخلافٌ سعة عندما دفع عبدالله إلى خالدٍ غرفة واحدة من المال. وعندما احتج خالد، قال له عبدالله "خذها أو دعها، فليس لك غيرها" .
فاحتدّ الشريف خالد ورمى المال في وجه الأمير عبدالله، وخرج في تلك الليلة، وقصد الشريف حسين، في منزله وشكى له حاله. واستأذن في الذهاب إلى مكة، ولكن فرسه لا تستطيع السير ليلاً، لأنها مريضة، وهو لا يرغب أن يبيت في المدينة تلك الليلة، لذلك يرجو أن يعطيه الشريف حسين فرساً من خيوله الخاصة.
ورغبة من الشريف حسين في استرضاء خالد بن لؤي، أعطاه فرسه الخاص وأمر له بعطاء من المال. فشكره خالد، ثم ودعه مُعلناً ذهابه إلى مكة.
رجع الشريف خالد بن لؤي من المدينة، وقد اجتمعت عدة عوامل تدفعه إلى الخروج عن طاعة الشريف حسين، وتحمله على الانضواء تحت راية الملك عبدالعزيز. وتبعه أهل الخرمة في الخروج عن طاعة شريف الحجاز. وقد حاول الشريف حسين إخضاع خالد بن لؤي بالقوة، ووجه إليه عدة حملات عسكرية، بقيادة الشريف شاكر بن زيد، كان نصيبها الفشل .
وعندما علم الشريف حسين بتمرد خالد بن لؤي، أرسل إليه ليمثل أمامه. فرفض خالد مقابلة الشريف، فأرسل له مرة أخرى، فرفض ثانية. فعزله الشريف عن الإمارة وعين بدلاً عنه أحد القضاة. فبدأت المشادة والتوتر بينهما، وهدد الشريف بضرب "الخرمة" وما حولها، والقبض على خالد، لكن خالداً استعد لقتاله.
3. الموقف العام
أرسل الشريف حسين قوة عسكرية كبيرة، بقيادة الشريف حمود بن زيد، للقبض على خالد بن لؤي.
وعندما وصلت الأخبار إلى الخرمة، استعد خالد بن لؤي للقتال، وشكلّ قوة من أهل "الخرمة"، وكتب إلى الملك عبدالعزيز يخبره بالأمر. فأرسل الملك عبدالعزيز خطاباً إلى الأمير عبدالله بن الحسين، في 10 شعبان 1336هـ، جاء فيه: "قد تحقق عندي خلاف ما أخبرتني به سابقاً من أنك عائد إلى مكة المكرمة، والظاهر أنك قادم على تربة والخرمة، وهذا مخالف لما أبديتموه للعالم الإسلامي، والعربي خصوصاً. واعلم ـ رعاك الله ـ أن أهل نجد لا يقعدون عن نصرة إخوانهم، وأن الحياة في سبيل الدفاع عنهم ليست بشيء. وأن عاقبة الغي وخيمة، وأنصحك أن تعود بقواتك إلى "عُشَيْرَة"، وأنا أرسل إليك أحد أولادي أو إخواني، للتفاوض معكم وحسم الخلاف" .
فأجاب الأمير عبدالله على خطاب الملك عبدالعزيز، في 23 شعبان عام 1336هـ، قائلاً: "من عبدالله ابن أمير المؤمنين الحسين بن علي، إلى حضرة أمير نجد ورئيس عشائرها، عبدالعزيز بن سعود، دامت كرامته.
وصلني خط الجناب الموقر، المؤرخ في 10 شعبان، فتلوته وفهمته، فلم أجد فيه ما استغربته واستعذبته. تقول إني بينما أكتب إليك مسالماً أجر الأطواب على المسلمين، وأن مظهري هذا أثار ثائر الناس علينا. وأنك، دامت مدتك، خرجت فزعاً إلى أن يأتيك مني الجواب. وإليك به وهو ينطق بلسان صاحب الشوكة والدي وحكومته.
أظن أن صاحب الشوكة، سيد الجميع، يرحب بكل من يطلب كتاب الله وسنة رسوله، ويحيي ما أحيا الكتاب والسُنة، ويميت ما أماته الكتاب والسنة، لأن هذا دأبه، ودأب أجداده منه إلى صفوة الخلق عليهم سلام الله.
أولاً: لا أذكر أن أحداً منا وقعّ على كتاب ذكر فيه أنك أو أحد آل مقرن من الخوارج. أو أنكم لستم من ملة الرسول.
ثانياً: كل من شق عصا الطاعة من رعايا صاحب الشوكة، وعاث في الأرض فساداً يستحق التأديب شرعاً، شخصاً واحداً كان أو ألف شخص.
ثالثاً: اعلم وتيقن أن نيتنا نحوك ونحو أهل نجد، نية خير وسلام.
رابعاً: تأمرني بالرجوع إلى ديرتي من أرض هي لأبي وجدي. ومتى كنت تمنع الناس عن ديرتهم؟ جزيت خيراً. ولكن هل تذكر أن رجلاً من قريش، ثم من بني عبد مناف، ثم من بني هاشم، جَدّه الرسول وعلي بن أبي طالب، يقعقع بالشنان ويروّع بمثل هذه الأقاويل؟
خامساً: تقول إني لو التمس رجلاً في نجد يرجح الحياة على الموت في سبيل الله، لم أجده. فكان الأوفق لهم، إذن، أن يأتوا ويجاهدوا الأتراك معنا عن بيت الله ومسجد رسوله، حتى ينال الشهادة منهم من كتب له. ثم بعد ذلك ترددون يمنا النظر.
سادساً: أخبرتك في كتابي، بفتح المدينة المنورة، بأنني متوجه إلى الوطن لتأديب العصاة، وسألتك هل أنت على عهدي بك، أو تغيرت نياتك؟ فجاءتني نجاجيبك بجواب منك فيه الميل إلى التقرب والمسالمة، فرجوت خيراً وعززته بالجواب الثاني، فجاء ثاني كتبك لي، ومثله لوالدي ولأخي، ملؤها المودة المؤكدة باليمين، وكل ذلك محفوظ. فما حملك الآن على تغيير لهجتك؟ أمن أجل أننا نؤدب رعايانا، ونصلح ما فسد في قبائلنا؟
سابعاً: إن كنت تنوي الخير للمسلمين، كما زعمت، فاردد الذين أمرتهم ببيع مواشيهم، وبنيت لهم الدور (يريد الهجر)، وأخل أنت مكانك الذي وصلت إليه، وانحر (عد إلى) ديرتك، ولك عليّ ألاّ أمس أحداً من أهل نجد بسوء.
ثامناً: إني مرسل إليك كتابي هذا مع أحد نجاجيبك، وهو القسماني، وأبقيت الآخر ليأتيك بخطاب صاحب الشوكة، والدي، والسلام" .
في 23 شعبان 1336 القائد العام للجيوش الشرقية الهاشمية
الختم الأمير
عندما تأكد الملك عبدالعزيز من عزم الشريف حسين على مهاجمة "الخرمة"، وقتال خالد بن لؤي والإخوان، أرسل قوة من الرياض قوامها خمسمائة مقاتل من الإخوان من أهل الغطغط، لتعزيز قوات خالد بن لؤي في الخرمة.
أ. المعركة الأولى (حَوْقَان)
(1) سير المعركة
تقدمت قوات شريف الحجاز، بقيادة الشريف حمود بن زيد، باتجاه الخرمة. وخرج الشريف خالد بن لؤي لمواجهتهم، ومعه من قوة الإخوان. وتقابلت القوتان صباح 25 شعبان 1336هـ في موضع يُسمى "حَوْقَان"، شمال الخرمة. وبدأ القتال عنيفاً، واستمر من الصباح حتى صلاة العصر.
( 2)نتيجة المعركة
انهزم جيش الشريف حمود، هزيمة نكراء، على الرغم من عدد قواته البالغة ألف مقاتل، وعاد إلى مكة. وانتصر الشريف خالد بن لؤي، بقوة الإخوان، وغنموا ثلاثين بعيراً محملة بالأسلحة والذخائر، وبعض الأمتعة والنقود. وكان عدد قوت الشريف خالد ألفاً ومائة وستين مقاتلاً، عادوا إلى الخرمة.
ب. المعركة الثانية (جِبَار)
(1) سير المعركة
خرج الشريف حمود، مرة أخرى، في قوة أكبر من الأولى، مزودة بالرشاشات والمدافع، وكانت الإمدادات تصله من الشريف حسين، من مكة، وابنه عبدالله، من المدينة.
وعندما علم خالد بن لؤي، بخروج الشريف حمود وخط سيره، استعد لملاقاته في قوة أكبر. والتقت القوتان في موضع يُسمى (جِبَار) إلى الغرب من الموضع السابق، (حَوْقَان). ودارت المعركة من الصباح حتى الظهر.
( 2) نتيجة المعركة
انتصرت قوات خالد بن لؤي والإخوان، وكان عددهم (1400) مقاتل، وعادوا إلى الخرمة وعاد الشريف حمود بن زيد وقواته، البالغة (1200) مقاتل نظامي، منهزمين، إلى مركز القيادة في "عشيرة".
ج. المعركة الثالثة (أَبَارْ الحِنُو)
(1) سير المعركة
علم الشريف الحسين بن علي بهزيمة الشريف حمود، للمرة الثانية، أمام خالد بن لؤي، الأمر الذي هزّ عرشه، وبات يهدد مملكته.
أصدر الشريف أوامره بتشكيل قوة متعددة، قوامها ستة الاف مقاتل ، منهم الف جندي نظامي , معهم أربعة مدافع، وستة رشاشات وأمّر عليهم الشريف "شاكر بن زيد"، الذي خرج بهم إلى "الخرمة"، لملاقاة قوات خالد بن لؤي والإخوان.
واستعد "خالد بن لؤي"، فشكل قوة قوامها ألفان وستمائة مقاتل وخرج بهم، بعد أن عرف مخطط عدوه ووجهته.
تقابلت القوتان في منطقة (الحنُو)، وكانت قوات خالد قد سبقت واحتلت آبار (الحنُو).
بدأت المعركة في صباح يوم "عرفة" 9 ذي الحجة عام 1336هـ، وكان القتال عنيفاً، يشتد ساعة بعد أخرى. وانتهت المعركة بين صلاتي الظهر والعصر، من اليوم نفسه.
( 2) نتيجة المعركة
سقط من جيش الشريف شاكر عددٌ من القتلى، وجرح أكثر من ثلاثمائة، بينما فرّ الباقون, لعدم قدرتهم على القتال. وانسحب الجند النظاميون منهزمين، تاركين وراءهم رشاشاتهم الستة، والجمال المحملة بالمؤن والزاد. أمّا قوات الشريف خالد بن لؤي ، فرجعة تحمل الغنائم، فرحين بالنصر.
خريطة تبين معركة تربة الكبرى
د. معركة تربة الكبرى (*)
(1) الموقف العام هة
أدرك الشريف حسين بعد الهزيمة الثانية، أن الأمر يحتاج إلى تحرك قواته كلها، للقضاء على خالد بن لؤي ومن معه من الإخوان؛ لأن وجودهم وانتصاراتهم، أصبحت تهدد المملكة الحجازية. فأمر ابنه عبدالله بالتحرك من المدينة المنورة، ومعه قوة نظامية مسلحة ضارية. فتحركت القوة إلى منطقة "عشيرة"، وعسكرت بها.
وعندما علم الملك عبدالعزيز بخروج عبدالله بن الحسين، من المدينة، في قوات كبيرة، أرسل قوة، بقيادة سلطان بن بجاد بن حميد، من عتيبة، قوامها ألف ومائتا مقاتل، إلى "الخرمة"، لمساندة خالد بن لؤي والإخوان
سلطان بن بجاد بن حميد
( 2) موقف الأمير عبدالله بن الحسين
وصل بقواته الكبيرة إلى جبل "حَضَنَ"، بعد أن أقام في عشيرة قرابة شهرين. وكان قد اجتمع بوالده وجميع الأشراف، وانتهى الاجتماع بإصدار الأمر إلى عبدالله باحتلال تربة والخرمة، والقبض على خالد، وإرساله أسيراً إلى مكة.
عندما عسكر الأمير عبدالله في جبل (حَضَنَ)، وصله مبعوث الملك عبدالعزيز بكتاب يدعوه لحقن الدماء، والرجوع عن تربة والحزمة. فأجاب الأمير عبدالله المبعوث بخطاب جاء فيه: "إن الله سبحانه وتعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم ونحن قد اعتُدى علينا، وقتُل جيشنا، ونُهب سلاحنا، لذلك لابد من الإيقاع بمن كان السبب".
ثم قال: للرسول "قل لعبدالعزيز ما جئنا في شأن تربة والخرمة فقط، ولكن سنُعيَّد عيد رمضان هنا، وعيد الأضحى في الرياض والأحساء".
وبعد خروج الرسول من جبل حضن، أمر عبدالله قواته فوراً بدخول "تربة"، وبالفعل دخلها في صباح يوم 24 شعبان 1337هـ.
(3) موقف قوات الملك عبدالعزيز
خرجت قوات الملك عبدالعزيز لملاقاة قوات الأمير عبدالله. وكان خالد بن لؤي يتقدم على الجبهة الجنوبية الشرقية، وسلطان أبا العلا على الجبهة الوسطى، وسلطان بن بجاد بن حميد على الجبهة الشمالية الغربية.
تقدم القادة الثلاثة حتى وصلوا موضعاً يسمى "القَرَيْن"، فيما بين "تربة" و"الخرمة". وعسكروا فيه. وأرادوا معرفة توزيع قوات الشريف عبدالله في تربة، فكانت خطة الداهية سلطان بن بجاد أرسال
رساله من الملك عبدالعزيز الى الامير عبدالله بن الحسين وكان الرسول ذكياً، له خبرة في تشكيلات القوات ومسمياتها وأنواعها. فلما أتى المبعوث إلى الأمير عبدالله في تربة، سار يجول يمنة ويسرة لعله يحصل على المعلومات، التي أُرسل من شأنها. وفعلاً حقق المبعوث بعض النجاح. وعندما وصل إلى مقر الأمير عبدالله، وعلم الأمير أنه يحمل كتاباً من الملك عبدالعزيز، قال له: ارجع إلى من أرسلك، وقل له سنصوم في الخرمة، ونعيِّد في الرياض والأحساء، وعد بكتابك، لا حاجة إلى الاطلاع أو النظر إليه".
عاد رسول قوات الملك عبدالعزيز إلى معسكره، وأوضح لهم الموقف وما شاهده. وبناء على ذلك توجهوا، إلى تربة.
(4) سير المعركة
بعد أن عَرِف القادة الثلاثة لقوات الملك عبدالعزيز، مواقع قوات الأمير عبدالله، في تربة، تحركت "قوات الإخوان"، وهي تنشد أهزوجة الحرب:
هَبَّتْ هَبُوبُ الجَنَّة وين أنتَ يَا بَاغِيها
وفي منتصف ليلة 25 شعبان 1337هـ، كانت بداية المعركة. وكان أول هجوم الإخوان موجهٌ على الجناح الأيسر لجيش الأمير عبدالله ؛ بدأه الفرسان بقيادة خالد بن لؤي. وكان خط سيرهم عبور وادي تربة، ومهمتهم اقتحام السريتين الأولى والثالثة، اللتين تحرسان الأمير عبدالله.
كانت مهمة قوات الوسط، بقيادة سلطان أبا العلا، عبور آكام "الثَّغْر"، فوادي "ريْحَان" "فالحَزْم"،
حيث ترابط السرية الثانية من سلاح المدفعية، للقضاء عليها والتقدم إلى مواقع الفوج الثامن داخل بلدة تربة.
كانت مهمة قوات الجناح الأيمن بقيادة ابن بجاد، وخط سيرها شمال خط الوسط، الهجوم على
مواقع الفوج الثامن، المتمركز شمال البلدة ودك معسكره.
واشتبكت القوتان، وتساقط القتلى والجرحى. وعندما رأى الأمير عبدالله حرسه قد قتلوا،
ركب فرسه وولى هارباً، وكان رديفه عليها ابن عمه الشريف علي بن زيد. وكان ذلك يعني انتصار قوات الملك عبدالعزيز على قوات الشريف.
تحصن من الفوج الثامن حوالي أربعمائة مقاتل. ما بين ضابط وجندي، في مقدمتهم قائدهم العقيد الركن حلمي بك، واعتصموا جميعاً في قصر "مُنِيْف"، الواقع في الجنوب من بلدة تربة، ومعهم الشريفان "شاكر بن زيد، وعُون بن هاشم" اللذين هربا حينما كان الإخوان يؤدون صلاة الظهر. وكان الإخوان قد أعطوا مهلة ساعة لمن يريد أن يسلم نفسه، ممن اعتصموا في القصر. ولكن جند الشريف رفضوا التسليم، فاقتحم الإخوان القصر على جذوع النخل. وبعد أن تسلقوا جدرانه الأربعة وصعدوا فوق السقف، هدموا الجدران على من بداخل القصر. وما غربت شمس ذلك اليوم، حتى تم هدم القصر بكامله على من فيه، وتم قتلهم وعددهم أربعمائة وخمسة من الضبّاط والأفراد، ولم ينجُ منهم أحدٌ.