أقسام الرؤيا وأصناف المعبرين
الباب الأول: مقدمات قبل التأويل
أقسام الرؤيا: تنقسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: حديث المَلَك: (وهي الرؤيا الصادقة، وهي بشرى من الله لعبده).
الثاني: حديث الشيطان: (وهي الرؤيا الباطلة، وهي من تحزين الشيطان).
الثالث: حديث النفس: (وهي ما يحدث الإنسان بها نفسه في اليقظة؛ فيراها في منامه، ولا تأويل لها).
وهذه الأقسام يشملها معنى الآية( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (يوسف:6).. وانظر إلى كلمة "أحاديث" ولم يقل "حديث".
قال البيضاوي: "من تأويل الأحاديث"، أي يعلمك من تعبير الرؤيا؛ لأنها أحاديث المَلَك، إن كانت صادقة، وأحاديث النفس والشيطان، إن كانت كاذبة".
قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (( والرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه)) (صحيح مسلم).
وينقسم المعبرون إلى خمسة أقسام:
الأول: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة الانتقائية لبعض الرموز فقط، وهذا فيه اعتداء على حال الرائي؛ لأن الرؤيا واقع متكامل تضره التجزئة.
الثاني: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة التوافقية لكتب التعبير السابقة، وفي هذا اعتداء على واقع الرائي، فكل جيل يختلف واقعه عن غيره.
الثالث: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة الإلهامية فقط، وجعلها خاصة على المعبر، وهذا مخالف لما عليه السلف؛ فلم يرد عليه دليل ولا اطردت به عادة.
الرابع: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة النفسية فقط، كعلماء النفس، ومن وافقهم، وأهمل الجوانب الأخرى الواردة في السنة كالرؤيا الصادقة والحلم الشيطاني.
الخامس: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة التكاملية، من جمع للرموز كلها، ومعرفة حال الرائي، فهذا القسم هو الصحيح الذي عليه الدليل الشرعي وموافقة علماء السلف والخلف، وهو ما سيكون عليه منهج هذا الكتاب ـ بإذن الله عز وجل ـ.
والرؤى لغةٌ مصورة، لو أُحسن فك رموزها ومفرداتها، وتم ربطها بالواقع المعاش، لأصبحت خطاً صالحاً لحل كثير من مشاكل الحياة أو الاستعداد لها، ولأصبحت مصدراً من مصادر المعرفة والإلهام.
الضابط الشرعي في التأويل:
ما هو الضابط الشرعي الصحيح في تأويل الرؤيا؟
الرؤيا الصادقة نوعان:
النوع الأول: ظاهر لا يحتاج إلى تأويل فيقع كما رُئي؛ كرؤيا الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ومثاله: رؤيا نبي الله إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ في ذبح إسماعيل.
النوع الثاني: قسم يحتاج إلى تأويل وتعبير؛ لأنها أمثال يضربها المَلَك ليستدل الرائي بما ضُرب له من مثل، وهذا كثير الوقوع، ومثاله ما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب من رطب بن طاب، فأولت: الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب)) (صحيح مسلم).
فأخذ من "رافع" الرفعة، ومن "عقبة" العاقبة، ومن "رطب بن طاب" طيب الدين، فأي تأويل للرؤيا بغير هذا الضابط، فهو مردود بهذا النص.
حقيقة الرؤيا:
قال القاضي أبو بكر العربي: "الرؤيا إدراكات علَّقها الله في قلب العبد على يدي مَلَك أو شيطان، إما بأسمائها (أي حقيقتها)، وإما بكناها: (أي عباراتها)، وإما تخليط "..
فمهمة المعبِّر: نقل الصورة الذهنية من اللاشعور اللاواعي إلى الشعور الواعي؛ عندما تكون الرؤيا رمزاً.
أما إذا جاءت الرؤيا كفلق الصبح؛ فهي تقع بدون تأويل، والسبب اتحاد اللاشعور اللاواعي بالشعور الواعي؛ فتتضح الصورة للتطابق، فلا تحتاج إلى تأويل.
فالرؤى لها دلالات، منها ما هو جلي فلا يحتاج إلى تعبير، ومنها ما هو خفي ويحتاج إلى تأويل وتوضيح، وعكس للرموز التي في اللاشعور اللاواعي، حتى تطابق حال الرائي وواقعه المعاش، وهو الشعور الواعي، فلا بد من معرفة حال الرائي وزمنه حتى يتم التعبير على أكمل وجه.
منهج عملي في تعبير الرؤيا:
يلزمك إذا أردت أن تعبر الرؤيا على وجهها الصحيح، معرفة أدوات التعبير، فمن لا يملك هذه الأدوات فإنه لا يحسن التعبير، وفاقد الشيء لا يعطيه، فتعبير الرؤيا علم ومهارة تكتسب، وما الإلهام في التعبير إلا إحدى المهارات المكتسبة، ونتيجة للتجربة، فإذا أردت تعبيراً موفقاً فعليك أن تتعلم قواعد الرؤيا أولاً، ثم تكتسب مهاراتها وتطبيقاتها لاحقاً.
أما كيفية التعبير: فبعد سماعك تفاصيل الرؤيا:
ـ الجأ إلى الله، وأطلب منه التوفيق والإعانة والتسديد.
ـ ضع يدك على رموزها المهمة المرتبطة بواقع وحال الرائي.
ـ ثم ألف بين باقي الرموز الأخرى دونما إهمال، كأنما تنظمها نظماً كحبات العقد بوضع تصور خاص.
ـ وأضف لذلك ما انقدح في ذهنك من معنى عام يربطها جميعاً.
ـ واحملها على الفأل قدر الإمكان.
ـ وطبق قواعد الرؤيا المذكورة في هذا الكتاب.
فإن أشكلت عليك، فقل: الله أعلم، فهي نصف العلم، ولا يلزمك تأويل كل رؤيا فهي مثل الفتوى.
وإن تبين لك تأويلها، فقل: بسم الله، ثم ادع لصاحبها مثل أن تقول: خيراً أعطيت وشراً كفيت، ثم أوِّل دون جزم بقولك: إن صدقت رؤياك فهي كذا وكذا، والله أعلم.
وستجد ـ بإذن الله ـ تعبيرك صائباً.
تنبيه مهم:
وقبل الشروع في الضوابط لابد من تنبيهات مهمة عن النقاط التالية:
* حدود الرؤى: أفضل ما يقال في ذلك قول الشاطبي- رحمه الله-: "إن فائدة الرؤيا في البشارة والنذارة، لا التشريع والأحكام والقضاء، فتُذكر استئناساً لا استدلالاً، وشرط العمل بمقتضاها: ألا تخرم حكماً أو قاعدة شرعية، و لا تعتبر إلا مع موافقة ظاهر الشريعة في أمر مباح، أو فائدة أو بشارة للتبصير على الخير، أو نذارة للتحذير من الشر ليستعد له، وهذا كما أنه في هذه الأمة فهو كذلك في غيرها من الأمم".
* الحلم والشيطان: يستغل الشيطانُ المسلمَ في منامه، خاصة إن نام ولم يراع آداب النوم من الوضوء وقراءة الأذكار، والنوم على الشق الأيمن وغيرها، فيوسوس إليه، ويلعب به، بطرق مختلفة منها:
- أن يريه في النوم ما يحزنه: كأن يرى نفسه مرتكباً لمحرمات وعظائم، أو يتكلم في الله ورسله بما يسوء، أو ينكر شيئاً من الغيب ونحو ذلك، وقصد الشيطان من ذلك تشكيكه في دينه، وزرع النفاق وعدم الثقة فيه.
ـ أن يريه في المنام ما يسبب الفرقة والاختلاف؛ كأن يرى الرجل صاحبه المستقيم وهو يؤذيه أو يتربص به شراً، أو ترى المرأة أختها أو ضرتها وهي تؤذيها أو تطعنها، وقصد الشيطان وهدفه أن يفسر الرائي ذلك بحسد أو عين أو إرادة شر، فيفضي لزرع الشك بين المؤمنين والتفريق بينهم.
ولذا إذا رأى الإنسان ما يكره فليعلم يقيناً أن ذلك من الشيطان للتفريق بين المؤمنين، وليتبع سنة الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في الرؤيا المكروهة التي ستأتي بعد قليل، ولا يحدث بذلك أحداً، بل ينساه وكأنه لم يكن
آداب الرؤيا الصالحة:
1-أن يحمد الله عليها.
2-أن يستبشر بها خيراً.
3-أن يحدث بها من أحب دون من يكره.
آداب الرؤيا المكروهة:
1-الاستعاذة بالله من شرها.
2-التفل: (النفخ بريق خفيف) عن يساره لطرد الشيطان.
3-الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
4-التحول عن الجنب الذي كان عليه؛ تفاؤلاً بتحول حاله إلى الأحسن.
5-الصلاة ركعتين أو أكثر؛ ليطمئن قلبه، وليدعو الله أن يجنبه شرها.
6-ألا يحدث بها أحداً، فإن اضطر، فليخبر بها عالماً أو ناصحاً فقط
الشيخ /عبد الله بن محمد السدحان