سوار الذهب :
شفت عبدالله ورى حد القصيم وشفت خاله = كل واحد يحمل الثنتين عمري مانسيته
المهم اللي يهم اني نشدته كيف حاله = عام الأول يطردون ابليس لين يخش بيته
يدخل الشاعر الكبير سوار الذهب في بداية المحاورة بمعنى وترميز قوي ورائع كعادته , فهو يصنع رموزه باتقان منقطع النظير ولن يضيعه أي شاعر ذكي , فهو هنا يقول :
(( شفت عبدالله ورا حد القصيم وشفت خاله ))
المعروف أن (عبدالله العير) رحمه الله شاعر عنيزه الأول واستمر طويلاً ضمن نطاق محدود في منطقة القصيم ولم يشتهر الا بعد عام 1418 , هذا الخروج عن حد القصيم يعني انتشار وشهرة العير وبروزه في مكان آخر , ومعه خاله يقصد به سوار الذهب أن مع العير أشخاص آخرين ليسوا من قبيلة مطير وقد يكون للعير رحمه الله أخوال من عتيبه أو من قحطان .
هذا الخروج من منطقة القصيم كان مع أشخاص ليسوا من نفس القبيلة , واتحاد وتوافق وزمالة قوية مع هؤلاء , ومن المعروف أن العير رحمه الله شكل حزب شعري معروف مكون من ( العير , ابن شايق القحطاني , ملفي المورقي ) .
ثم يقول سوار الذهب أن :
( كل واحد يحمل الثنتين عمري مانسيته )
كل شاعر قوي ومتمكن , وكذلك أبن عم وقريب أو من نفس قبيلتي فهو عندي في المقام الاول ولا أنساه وأحتاج له في المواقف , بعكس الشاعر أبن العم الضعيف شعرياً , فسؤال سوار الذهب تمهيد سيكون لمعنى عميق سأشرحه في البيت الثاني .
في البيت الثاني يتوسع سوار الذهب بمعناه ونشهد روعة تطرقه لهذه المعاني , فهو يأخذ على العير أنه جعل زمالته لشاعر عتيبي وقحطاني تتغلب على حميته وموقفه لربعه مطير , ومعروف أن المحاورة من ضمن أهم أساسياتها أنها تضع الدفاع عن القبيلة والوقوف بجانب شعراء القبيلة قبل كل شئ , وهذا قبل ظهور التحزبات المختلفة من قبائل متعددة , سوار الذهب يرى أن العير في تحزبه الجديد نسى أمور كثيرة .
فقال سوار الذهب عن هذا المعنى :
(( المهم اللي يهم أني نشدته كيف حاله ))
هذه الاشارة ا تدل على طول المدة بين لقاء سوار الذهب والعير فهو يقول أني نشدته كيف حاله أي كأن عهده به قديم ولم يراه منذا زمن , بمعنى أن حزبه أنساه شعراء قبيلته ووقفات قبيلته .
ثم يعرج سوار الذهب على شئ مهم جداً ومن أصول المحاورة فيقول :
(( عام الأول يطردون ابليس لين يخش بيته ))
عندما كان الشعراء قديماً يعرفون اصول المحاورة وواجباتها والتزماتها كانوا يرون شعر الرد موقف قبيلة وشعراء القبيلة صف واحد ضد شعراء القبائل الاخرى في الميدان حتى لو كانوا هؤلاء الشعراء المتخاصمين في الميدان أصدقاء في الواقع , لأن لميدان المحاورة ظروفه المختلفة وأصوله المتوارثة , لكن في وقتنا الحالي كما يرى سوار الذهب يرى أن هذا الأمر أصبح ثانوي بدليل سؤاله وطول المدة بيت لقائه مع العير , وكذلك تذكيره بأن شعر الرد القديم وعلى أصوله الصحيحة يكون خصومة لشعراء القبائل وأن كان بطريق الدفن , وكذلك وقوف شعراء القبيلة صف واحد ضد شعراء القبائل الاخرى , وايضاً ذكر سوار الذهب مزاملة العير لخاله .
العير :
لاتشيل الضرس لين تشوف لك ضرسٍ بداله = ثم تاخذ قطعة اشهر في سنونك مالقيته
يامدير السعوده وش مشكلتك مع البطاله = لاتسكنا في قصرن يالمطاري مابنيته
يقتنص العير رحمه المعنى بذكاء , فيقول ياعبدالله لاتشيلون الضرس , أي لاتفرطون في الشاعر القوي أبن عمكم , والضرس كناية عن القوة وهي لفظة تستخدم في القوة والحزم والحميا , فيقول من كلامك ياسوار الذهب أنك شبه مفرط بي أو كأنك تساهلت الاستغناء عني , وحتى لو كنت أنا يالعير مع أحزاب آخرين أميل لهم واجاملهم لأجل استمرار زمالتنا فإنني ضرس للقبيلة ومهم لها وستكون لي وقفتي أذا تطلب الأمر
(( لاتشيل الضرس لين تشوف لك ضرسٍ بداله ))
فالشاعر القوي مثلما قلت ياسوار الذهب ستكون له حاجة , فلاتفرط فيه حتى تجد البديل عنه أو الذي يسد مسده ,
(( ثم تأخذ قطعة أشهر في سنونك مالقيته )) بين أبناء قبيلتك ,
وهذا يدل على أن العير لايسحب على موقف القبيلة بل يعتبر نفسه مساند لهم وضرس , ولن يجد سوار الذهب من يقف معه الوقفة المشرفة من قبيلة مطير مثل العير , وانا أرى أن كلام العير رحمه الله صحيح فكان سوار الذهب والعير في ذلك الوقت هم الشعراء الأبرز وبعيد عن بقية شعراء القبيلة من حيث المستوى ماعدا خليف ابن دواس رحمه الله والذي يصعب أن يتواجد على الساحة بفعل المقاطعة الشرسة ضده من شعراء القبائل الأخرى .
ثم يعرج العير رحمه الله بذكاء وبلمحة ماكرة وكأنه يرى أن سوار الذهب يطالب بالسعودة أي أن تجعل الأمور محلية مقتصرة على تزامل شعراء مطير , وأن سوار الذهب يعاني من البطاله أي لم يجد عمل وبمعنى أصح حزب مثل العير يكفل له التواجد الدائم في الساحة وأن هذا هو الذي دعى سوار الذهب لطرق هذا المعنى حسب وجهة نظر العير رحمه الله :
(( يامدير السعوده وش مشكلتك مع البطاله ))
ويقول العير رحمه الله : لو تضمن لي ياسوار الذهب التواجد الدائم وكثرة المحتفلات سأكون سعيداً بذلك ولن أضطر الى عمل تحزب من شعراء قبائل أخرى , ومنظور العير رحمه الله الى هذا الأمر من منظور تجاري بحت وبذكاء ومعرفة من أين تؤكل الكتف , فيقول العير :
((لاتسكنا في قصرن يالمطاري مابنيته ))
أي أنني اذا تركت هذا الحزب وهؤلاء الشعراء الذين اتفقت معهم هل سيستمر تواجدي الدائم , ولو وجدت ياسوار الذهب البديل عن هذا التحزب فسأكون سعيداً .
سوار الذهب :
الله انه يرحم اللي مات ماوصى عياله = واحداً مالله هداه يشيب راسي ماهديته
وش نسوي مشكلتك ومشكلة نقل الكفاله = انت قاري في كتاب خليف والا ماقريته
سوار الذهب ومن نظرته الاصيلة الى الأمور وترفعه عن الماديات واللهث خلف الشهرة واللعب بأصول المحاورة الصحيحة يرى أن التحزب مع شاعر قبيلة أخرى وأحياناً كثيرة على حساب شعراء قبيلته يرى أن هذا شئ خاطئ ولايصح , فتجد حتى أطراف هذه التحزبات يلعبون سوياً بعض المعاني ضد شاعر ما من نفس قبيلة أحدهم , ومن اطلاعي أعرف أن الكثير من شعراء التحزب الواحد يلعبون معاني ضد شاعر من قبيلة أحدهم ولايراعون وقفة قبيلة وأنهم يجب أن لايساعدون الشاعر الآخر على شاعر قبيلتهم حتى لو كان الشاعر من القبيلة الأخرى صديق والشاعر من نفس القبيلة علاقته سطحية , هذا الكلام أؤكده من بعض التحزبات الأخرى لبعض شعراء مطير , ولا أقصد حزب العير رحمه الله ولا أجزم بذلك من ناحية العير .
يقول سوار الذهب :
(( الله أنه يرحم اللي مات ماوصى عياله ))
أي يالعير الله يرحم شايبك او الذي تتلمذت عليه شعرياً الم يخبرك أن شعراء القبيلة صف وأن الحميا بينهم أكبر من المجاملات لشعراء آخرين لايجمعك بهم الا مصلحة مادية , ويقول سوار الذهب أن نظرتك يالعير التي ذكرتها في أبياتك قد تكون بسبب قصر فهمك أو أن احداً لم يخبرك عن هذا , وأذا لم تقتنع بنفسك وترى الصحيح فمهما حاولت معك فلن تنجح محاولاتي
(( واحداً مالله هداه يشيب راسي ماهديته )) .
ثم يرد سوار الذهب بصورة رائعة على مقولة العير رحمه الله عن (( السعودة والبطالة )) وشرحت قصد العير بها .
فيقول سوار الذهب :
(( وش نسوي مشكلتك ومشكلة نقل الكفالة )) .
أي أنك يالعير أشبه بعامل اجنبي نقلت كفالته من مطير الى عتيبه أو قحطان لأنك لم تعد ترى داعي لوقفتك مع مطير وأن تواجدك مع زملائك أشبه بنقل كفالة أي انتقلت كفالتك الى قبيلة أخرى , وهذا التصوير الرائع يعطي تصور قوي وبديع عن المعنى الذي يتناوله سوار الذهب .
ويقول سوار الذهب في تعريجة جميلة
(( أنت قاري في كتاب خليف والا ماقريته ))
خليف ابن دواس الشاعر العلم الذي أرهب الشعراء وعجزوا عن لقائه وحاربوه حرب شرسه , هذا الشاعر الفذ كتابه وعلمه يمثل مرجع في معرفة أصول شعر الرد , من حيث الحميه ووقفات القبيلة والذود عنها والوقوف صف مع شعرائها ضد شعراء القبائل الأخرى , هذا التعاليم يسأل سوار الذهب العير هل أطلعت عليها يالعير؟ , وهل فهمت محتواها ؟ .
العير :
كيف تامر بالهدى وانته تلحف بالضلاله = تعطي البرزان وابناخيك عندك ماعطيته
الجمل وده يشيل الحمل ومهينه عقاله = وانت عقّلته على باب الخلا مادري ثنيته
هنا العير رحمه الله يطرق المعنى من باب آخر فلما رأى أن الهجوم كان صائب من سوار الذهب وأن العير يرى موقفه في الدفاع عن نفسه ضد موقف القبيلة صعب , يدخل على سوار الذهب من باب أن سوار الذهب أيضاً عليه بعض الملاحظات في مايخص الوقوف مع شعراء قبيلته :
(( كيف تامر بالهدى وانته تلحف بالضلاله )) .
ويذكره بشاعر ميزاني شاب لم يدعمه سوار الذهب أو أشبه بمن لايعترف به , ولسوار الذهب وجهة نظره في ذلك , ويقول العير أنت ياسوار الذهب أيضاً لاتدعم شخص قريب منك فكيف تدعم شعراء مطير الابعد :
(( تعطي البرزان وبناخيك عندك ماعطيته ))
البرزان من أفخاذ قبيلة مطير البعيدة عن الموازين يقول العير كيف تؤكد وجوب دعم مطير كلها بشكل عام لبعض , والبررزان تدل على عموم شعراء قبيلة مطيروليس خاص بالبرزان فقط , فيقول العير أن هناك أشخاص أقرب لك من بقية مطير لم تدعمهم أو تقف معهم فكيف تلومني على دعم الأبعد وانت لاتدعم الأقرب
(( وابناخيك عندك ماعطيته ))
وهذا الهجوم المضاد من العير كان نقلة رائعة للمعنى وفيه نوع من الصحة , لكن وجهة نظر سوار الذهب أن هذا دعم للشاعر المراد في المعنى الذي قاله العير حتى يرتفع مستوى ذلك الشاعر ويترك الاعتماد على أمور لاتخدم توهج شاعريته مثل الموالات والألحان وغيرها في ذلك الوقت , فهو ليس جفاء من سوار الذهب بل توضيح حتى يرتقي شعرياً , وهناك فرق بين موقف قبيلة ودفاع ضد الخصوم وعند حاجة شاعر ما من القبيلة للمساعدة في الميدان , وبين المحاورات الثنائية بين شعراء نفس القبيلة .
ثم يقول العير رحمه الله أنك ياسوار الذهب تريد حمل ثقل وقفة قبيلة مطير بأكملها وترى إنك الأحق بهذا بحكم وجود التحزبات , لكن العير يؤكد أن وجهة نظر سوار الذهب غير صحيحة فأمور القبائل والخصوم من القبائل الأخرى واحتماء الموقف انتهت , ويجب أن ينظر الى الامر من منظار آخر يكفل تواجده واستمراره ولابد من المجاملة والأخذ والعطاء والشللية وعدم الضغط المبالغ فيه على الخصوم وأخذ المحاورة من منظار غير منظار الشعراء القدماء , وأن نظرة سوار الذهب القديمة والمتمسكة بأصول اللعب القديمة ستشله عن الاستمرار فيقول العير رحمه الله في هذا المعنى :
(( الجمل وده يشيل الحمل ومهينه عقاله = وأنت عقلته على باب الخلا مادري ثنيته )) .
سوار الذهب :
من تجمل فيك يمكن ماعرف ويش الجماله = من بكيته مابكاني من بكاني مابكيته
قلت عصر العلم وانت تقول ياعصر الجهاله = الله الله شدوا الثبتان سكان البهيته
يختم سوار الذهب المحاورة ببيتين رائعين , ويقول في البيت الأول يالعير أن من تجمل فيك من شعراء القبائل الأخرى ويظهر نفسه بمظهر الصديق الوفي والصاحب وبسببه فضلته علي وعلى شعراء قبيلتك , أن هذا الصديق لايريدك الا لمصلحة مادية بسبب أن تواجده معك سيعود عليه بكثرة الدعوات والعزائم , وهذا الصحبة المادية لاتدوم , فما بني على باطل فهو باطل , يقول سوار الذهب :
(( من تجمل فيك يمكن ماعرف ويش الجماله ))
ثم يضيف سوار الذهب أن من يحمل هم الشاعر ويدعمه ويهتم به هم أبناء قبيلته سواء من جمهور أو شعراء , فهذا الشئ لايجب أن يتناساه أي شاعر , فلو أهتم بالآخرين على حساب أبناء عمه فهو مخطئ فيقول سوار الذهب
(( من بكيته مابكاني من بكاني مابكيته )) .
ثم يختمها ببيت رائع عندما تطرق العير لتحجر أسلوب وافكار الشعراء القدماء ووجهات نظرهم في بيته الذي شرحته سابقاً , وان سوار الذهب سيخسر الكثير لو تمسك بهذه الأصول التي تعيق تواجده الدائم على الساحة لأن من يضغط على الشعراء ويقف موقف حازم لقبيلته لن يرغبه شعراء القبائل الأخرى وأن الأمور شد لي وأقطع لك , فيقول سوار الذهب : انت مخطي يالعير .
لأننا حالياً في عصر الجهل بالشعر وبأصوله ومبادئه إما عصر العلم والشعر الأصيل فقد مضى , وهم الأصل ومن يتمسك بنظرتهم لأمور شعر الرد هو المصيب وليس من يغير ويحور في هذه الأصول للكسب المادي ويعصف بقوانين وأسس لايمكن التساهل فيها , ويذكر سوار الذهب أحد رموز الشعر الأصيل وهو الشاعر مطلق الثبيتي والبهيته هي أحد ديار ثبيت , فهل يوضع شاعر من هذا الجيل بمبادئه الطارئه وتحزبه وشلليته وعدم المامه بأصول هذا الشعر واسرار اللعب هل يوضع في الميزان مع رموز شعراء الرد الكبار الذين لايقل عنهم سوار الذهب إن لم يتفوق عليهم لكنه ولد في غير عصره , فيقول سوار الذهب :
(( قلت عصر العلم وأنت تقول ياعصر الجهاله = الله الله شدوا الثبتان سكان البهيته )) .