نظرة في عمق النسيان
عندما نغوص في عمق النسيان ونبحث في تفاصيله ، ونخوض بين أرجاءه المتعددة لنتعرف عن معانيه المختلفة - نجد أن كلمة النسيان تحتاج إلى توضيح دقيق ولو مبسّط لكي يكون المرء المسلم علي بصيرة وحذر *
فالمتعارف عليه أن كل من غفلت ذاكرته من مصيبة قد أصابته ، أو غفل عن أحداث مريرة حطّت رواحلها في أرجاء نفسه منذ زمن بعيد ولم يعد يتأثر بذكراها - نقول له أن النسيان نعمة * - ولكن - هل بالفعل أنه نسي مواجع هذا الحدث الذي أصابه ؟ الجواب : لا *
إذا لماذا نسمي هذا الشعور الإنساني بالنسيان ؟
أقول : لا شك أن اللحظات الحاسمة في أي مصيبة تنزل علي بني الإنسان هي لحظات مؤلمة ، ومهما عبّر عن أحاسيسها وما يعانيه في أعماق نفسه فلن يستطيع أن يخرج كل تلك الآلام التي في داخله ليعبّر عنها * وحينها لا يتصور ولا يتوقّع المرء المصاب أن ما استشعره في تلك اللحظات التي يكابدها من آلام نفسية وجسدية أنها سوف تقل حدّتها مع مرور الزمن *
لقد قدّر الله تعالي على بني الإنسان وأنعم عليه بأن لا تستمر مكابدته بالشعور في لحظات تلك المصيبة ، بمعني - أن تلك اللحظات المؤلمة والتفاعل معها في بداية كل مصيبة يختلف مستوى الإحساس بها والشعور بآلامها اختلافا كبيرا عند استذكارها بعد فترة من الزمن * ومهما أستحضر الإنسان تلك المشاعر وعاش في ما ضيها واستذكر لحظاتها فلن يستطيع أن يعايش نفس الشعور الذي أصابه في وقت نزول تلك المصيبة *
" هنا نقول أن النسيان نعمة "
ولو انتقلنا قليلا وأخذنا جانب آخر من النسيان وهو الجانب الشرعي - من المنهيّات التي حرّمها الله وحرّم فعلها ، أو الأوامر التي فرضها الله علي عباده بوجوب أدائها والالتزام بمواقيتها وأزمنتها المحددة وكيفيّتها – كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها ، أقول فان الإنسان لا يؤاخذ بنسيان الجوانب الشرعية من أوامر ونواهي ، ولا يؤثم على نسيانها ، ولكنه يكون مجبر بأن يتدارك تلك العبادات أما بأداء ما فاته أو التكفير عن خطأه ونسيانه *
" وهنا نقول أن هذا النسيان غير مؤاخذ به الإنسان "
أما النسيان الخطير الذي هو "" التناسي "" - المتعمد - الذي يؤاخذ به الله عباده وهو : التناسي وعدم المبالاة في إتباع كل ما أمر به الله وكل ما نهي عنه * إذا التناسي المحرّم هو الذي يغترفه البشر من تقديم حب الدنيا علي الآخرة والذي بموجبه جرّهم إلى التكاسل والتسويف والأعذار الواهية وأتباع الشهوات وأحيانا إلى الكبر *
" وهذا النسيان يعتبر جريمة وأثم مبين "
تم نأتي أخيرا علي النسيان الذي لابد أن يحدث بين البشر في معاملاتهم مع الآخرين – الأسرة – في العمل – في الشارع – مع الأصدقاء –
" وهذا النسيان من المفترض أن يكون مبني على السماحة "
هذه بعض النقاط ... وبعض المقتطفات المختصرة التي حاولت أن أخطّها بعجالة عن موضوع النسيان *
وإلا فان الموضوع متشعّب جدا ويحتاج إلي مطوّلات ولا أحبّذ الإطالة خشية الملل الذي سيصيب القارئ *
" فان أصبت فمن الله وان أخطأت فمني ومن الشيطان "
مشهب الديحاني
=========